فراس الأسد يخرج عن صمته ويفجر مفاجأة من العيار الثقيل.. هذا ما حدث بين فرات وعاصي في الاجتماع السري قبل عشرات السنوات
فراس الأسد يخرج عن صمته ويفجر مفاجأة من العيار الثقيل.. هذا ما حدث بين فرات وعاصي في الاجتماع السري قبل عشرات السنوات
اللقاء فوق جبل قاسيون بين فرات و عاصي..
وجود هكذا مشهد في النص يدل بنسبة 99 بالمائة إلى الخيال المبدع لسامر رضوان الذي افترض حصول هكذا اجتماع في ظل هكذا أزمة و وضعه في النص، وقد يدل بنسبة واحد بالمائة إلى معلومات قد حصل عليها الكاتب، و أقول واحد بالمائة فقط لأن احتمال تسريب هكذا معلومة يكاد يكون منعدما نظرا لطبيعة الأشخاص الذين حضروا ذلك الاجتماع.
الحقيقة أن حافظ الأسد و شقيقه رفعت اجتمعا في مكان محايد فعلا و لكن ليس في قاسيون، و ليس بالطريقة التي جاءت في المسلسل.
حصل الاتفاق على أن يجتمع الشقيقان في منزل شقيقهما الثالث جميل الأسد، الواقع في آخر أتوستراد المزة، على الجانب الأيمن منه باتجاه المعضمية. المنزل كان عبارة عن شقة سكنية، أو ربما شقتين فأنا لا أعرفه من الداخل
و يقع في إحدى الأبنية المرتفعة الموجودة على الأتوستراد بالقرب من مؤسسة الاتصالات. و كان منزل جميل الأسد أقرب بكثير إلى منزل رفعت الأسد، و إلى ثكنات سرايا الدفاع، من قربه إلى سكن الرئيس في المهاجرين. و الحقيقة التي لم تظهر في المسلسل أن حافظ الأسد لم يكن خائفا من غدر أخيه وقتها، و لكن أخيه كان خائفا من غدره، و ربما أعود في منشورات قادمة إلى هذه النقطة لتوضيحها.
اتفقا على الساعة الثامنة مساء، و لكن رفعت الأسد تأخر في الوصول ليضمن وصول الرئيس أولا. وصل رفعت الأسد إلى المكان و كان الرئيس قد أصبح داخل البيت مع شقيقه جميل، و كانت هناك سيارة واحدة فقط تقف أمام المدخل و يقف إلى جانبها عدنان مخلوف المرافق الشخصي للرئيس آنذاك و الذي أصبح لاحقا قائدا للحرس الجمهوري. كان رفعت الأسد يقود سيارته و يجلس إلى جانبه في المقعد الأمامي أحد أبناءه،
و في المقعد الخلفي كان يجلس العقيد محمد شاليش، المرافق الشخصي لرفعت الأسد، بالإضافة إلى فراس رفعت الأسد الذي كان في إجازة لمدة عشرة أيام قادما من الولايات المتحدة حيث كان يدرس.
كان مع الرئيس ضابط آخر لم أعرفه، و قد جلس هذا الضابط، و العقيد محمد شاليش، و واحد من مرافقة جميل الأسد في غرفة تقع في مدخل المبنى، و بقيت أنا و أخي بالقرب من السيارة أو جالسين فيها بينما بقي عدنان مخلوف واقفا بالقرب من سيارة الرئيس.
كان الجميع بملابس مدنية عادية، و لم يكن هناك أي مظاهر أمنية على الإطلاق في المحيط، كان كل شيء طبيعيا بما في ذلك حركة السكان والسيارات، وكان قد تم صرف جميع حراس جميل الأسد ما عدا ذلك الموجود في مدخل المبنى، و لم يكن في البيت حتى من يقدم الضيافة. طبعا رفعت الأسد لم يكن يحتاج لأية احتياطات أمنية حينها فقد كانت قوات سرايا الدفاع و دباباتها موجودة بشكل طبيعي في ثكناتها على بعد كيلومتر واحد من المكان.
استمر اللقاء لمدة ثلاث ساعات تقريبا، خرج بعدها والدي أولا، و عدنا إلى المنزل دون أن ينطق بحرف واحد.
و قد استمر جميل الأسد بلعب دور الوسيط بين شقيقيه -بالإضافة إلى آخرين- لعدة سنوات حيث كان ينقل الرسائل بينهما متنقلا بين سوريا و فرنسا و إسبانيا.
بعد سنوات، في جنيف السويسرية، روى لي رفعت الأسد بعض ما دار بينه وبين أخيه في ذلك الإجتماع.
عاصي و الفرنسيين..
من ناحية أخرى فقد اقتبس النص من منشور لي كتبته بتاريخ 20 نيسان لعام 2019 ما جاء في حديث عاصي مع اللواء سليم النحاس بعد اجتماعهما مع الشخص الفرنسي في اسطبل للخيول، حيث يقول عاصي أن الفرنسيين يتوقعون وصوله إلى الرئاسة بعد موت فرات،
كما جاء أيضا في سياق الحلقة الأخيرة أن لائحة الشروط التي قدمها المندوب العربي إلى فرات تتضمن طلبا بتعيين اللواء سليم النحاس وزيرا للدفاع، ويقول عاصي بأنه طلب من فرنسا وضع ذلك الشرط في اللائحة.
و أنا أريد أن أوضح أن ما كتبته في منشوري كان في سياق علاقة المسؤولين الفرنسيين برفعت الأسد بعد خروجه من سوريا و إقامته في فرنسا و ليس خلال وجوده في سوريا، كما أن الطرح كله الذي يظهر أن رفعت الأسد كان يتعاون مع فرنسا في الصراع مع أخيه لا يمت للواقع بصلة.
كان رفعت الأسد لديه علاقات مع الفرنسيين و لديه عقارات هناك و أموال في البنوك منذ أواخر السبعينات، و لكن علاقاته تلك كانت قائمة على أساس أنه شقيق الرئيس، وأنه ثاني أقوى رجل في سوريا، و كان من الطبيعي أن يقيموا معه علاقات مثله في ذلك مثل أي مسؤول سوري يزورهم أو يتردد على بلدهم كخدام و طلاس و غيرهم الكثيرون.
و في زياراته المتكررة إلى فرنسا في أواخر السبعينات و أوائل الثمانينات كان يجتمع مع الفرنسيين بصفته مسؤول سوري و كان يتناقش معهم في قضايا لها أهمية مشتركة بين البلدين، و كان السفير السوري يتواجد أحيانا في تلك الاجتماعات بصفته الرسمية.
و مع أنني لا أستطيع الجزم بأنه لم يحصل أي محاولة منه باتجاه الفرنسيين للحصول على دعمهم في صراعه مع أخيه، فالإحتمال قائم طبعا، لكنني أعرف يقينا بأن الفرنسيين لم يتدخلوا على الإطلاق في ذلك الصراع ولم يكن لهم أي دور فيه.
كما أن لائحة الشروط التي أعطيت لفرات هي من وحي خيال الكاتب، فما طلبته السعودية وفرنسا وقتها هو تقديم قتلة الحريري للعدالة، و لاحقا أصبح طلب الانسحاب من لبنان هو طلب العديد من الدول في العلن، و رغبة إيرانية في السر.
و هنا أريد أن أتكلم في نقطتين..
الأولى أن المسلسل عموما يتبنى وجهة نظر النظام حول الصراع بين الأخوين، و قضية تعاون رفعت الأسد مع جهة خارجية للإنقلاب على الرئيس كانت هي التهمة التي أمر حافظ الأسد بأن يتم إبلاغها إلى جميع ضباط الجيش، و كان قادة الفرق يجتمعون مع ضباط الفرقة و يقولون لهم أن رفعت الأسد عميل أميركي سعودي -مو فرنسي- و يعمل بالتنسيق مع هاتين الدولتين للاستيلاء على السلطة.
ملاحظتين ع الماشي..
– لم يكن لدى رفعت الأسد أية إمكانية للتجسس على حافظ الأسد في داخل منزله أو مقراته أو مكاتبه، بينما العكس كان صحيحا. و بالتالي فإن القنبلة التي وضعها عاصي تحت سرير فرات هي من وحي الخيال، و من وحي الخيال أيضا كل ما يتعلق بجواسيس عاصي الذين كانوا يخبرونه بتحركات فرات أو يضعون الكاميرات داخل القصر الجمهوري. لم يكن هناك رجل واحد عند حافظ الأسد يمكن أن ينفذ أوامر رفعت الأسد، و لكن العكس كان صحيحا.
– دور الأم في المسلسل هو أساسا، و بحسب أحداث الحلقات، يرمز إلى جدتي ناعسة عباد و ليس إلى السيدة أنيسة مخلوف. و من الواضح أن النص قد تبنى سردية المعارضة التي تقول أن جدتي تدخلت في الخلاف بين الأخوين و ساعدت على إنهاءه..
هذه الحكاية يتبناها تقريبا نصف الشعب السوري، و أغلبهم من المعارضين، و لكنها حكاية لا تمت للحقيقة و للواقع بأي صلة على الإطلاق.
جدتي، السيدة ناعسة عباد، و ليس شاليش كما تردد المعارضة منذ سنوات، توفيت رحمها الله و لم تعرف أصلا أن خلافا قد حدث بين ابنيها رفعت و حافظ، فجدتي كانت تعاني من أمراض الشيخوخة منذ أواخر السبعينات، و لم تسمع، و لم تعرف، و لم يخبرها أحد بذلك الخلاف.
هنا أيضا النظام هو من نشر الحكاية بين الناس ليقول لمعارضيه أن لا تفرحوا و لا تشمتوا و لا تسنوا أسنانكم لأنو دمنا ما بصير مي و نحنا كتلة واحدة كما كنا دائما، و ليقول للعلويين، البسطاء منهم على وجه الخصوص، أن لا تصدقوا بأن محبوبكم رفعت قد تمرد على محبوبكم حافظ
و لو كان هناك خلاف حقيقي لما استطاعت أمنا بكلمتين أنو تحل المشكلة، نحنا عيلة و رح نضل عيلة. كل ذلك كان للجماهير التي يلعب بها بالإشاعات كما يريد، معارضة و موالاة، و أما رجال النظام الحقيقيون، عصبه القوي، ضباط المخابرات و الجيش، فكانوا جميعهم يرددون كل صباح.. رفعت الخائن.. رفعت الخائن.. رفعت الخائن..
و الحديث يطول.. و لا ينتهي
في المنشور الثالث سوف نبحث ان كان هذا العمل يحابي فعلا بشار الأسد كما يقول الكثيرون، بالإضافة إلى الكثير من النقاط الأخرى. بالإضافة إلى الإجابة على أي تساؤل (يخص المسلسل) تضعونه في التعليقات.
و قد قيل هذا الكلام أيضا في جامعة دمشق أمام الآلاف من الطلبة على لسان ابن قائد الفرقة الثالثة في الجيش، و نشطت جميع أجهزة الأمن في نشر الخبر في كل مكان.
و لكن الحقيقة أن هذا الأمر غير صحيح، بغض النظر عن طبيعة التواصل بين رفعت الأسد و هاتين الدولتين، و قد شكل ذلك جزءا من الحرب النفسية ضد رفعت الأسد لإقناعه بأن الرئيس جاد في استعمال العنف ضده، كما أن حافظ الأسد لم يكن يريد أن يعرف السوريون حقيقة الخلاف بين الأخوين
فأطلق هذه التهم على أخيه للتغطية على الأسباب الحقيقية. و من الجدير بالذكر أن السعوديين و الأميركيين كانوا أقرب بكثير إلى حافظ الأسد و رجاله من قربهم إلى رفعت الأسد، حيث حصل أبناء عبد الحليم خدام على الجنسية السعودية و لم يستطع أبناء رفعت الأسد الحصول عليها برغم المحاولة، ولكن الدولتين بجميع الأحوال لم تتدخلا على الأرض. و لا أقول هنا أن الطرفين المتنازعين لم يتواصلا مع السعودية أو أمريكا أو دول أخرى
و لكن أقول أن الدولة الوحيدة التي تدخلت عمليا في ذلك الصراع كان الاتحاد السوفييتي الذي تدخل بقوة إلى جانب حافظ الأسد و حسم الأمر بشكل نهائي. فقد جاء وقتها المبعوث السوفييتي حيدر علييف إلى مكتب رفعت الأسد في منزله على أوتوستراد المزة ليبلغه بأن هناك 22 فرقة عسكرية سوفييتية تتحضر للقدوم إلى سوريا و سحق سرايا الدفاع، و كان رقم ال22 هو للإيحاء بأنهم مستعدون لاحتلال سوريا بأكملها إذا لزم الأمر.
و أما النقطة الثانية فتتعلق بما جاء في المسلسل، في لائحة الشروط التي قدمها المبعوث العربي، من طلبات أجنبية تتعلق بتوزيع المناصب في سوريا على أسماء محددة و تسريح و ترقية ضباط، والحقيقة أن هناك فكرة رائجة في أوساط بعض المثقفين السوريين، سمعتها على الأقل من ثمانية أشخاص، و جلهم يعملون في مجال التمثيل و الإخراج و الكتابة، وكانوا مصرين عليها و لديهم قناعة كاملة بها، وتقول الفكرة أن النظام، حتى في عهد حافظ الأسد، كان مضطرا لتعيين أشخاص تابعين للدول الكبرى في مناصب حساسة
و حتى أنهم يسمون لك أسماء المسؤولين السوريين و يحددون من هو رجل أميركا لدى النظام، و من هو رجل فرنسا، و رجل روسيا، و رجل بريطانيا، ويزيدون على ذلك بأن النظام لا يملك حتى القدرة على إزالة هؤلاء من مناصبهم بدون إذن الدول التابعين لها. والحقيقة أن هذه الفكرة هي أيضا من صنع النظام و ترويجه حتى يقال بأن النظام هو جزء من الشبكة الدولية التي تحكم العالم
و بالتالي فهو راسخ رسوخ الجبال و لا يمكن تغييره. ويبدو أن نص المسلسل قد تبنى هذه الفكرة التي لا تمت للواقع بصلة فحافظ الأسد لو كان لديه ألف ضابط، و ألف وزير، و استيقظ يوما من النوم راغبا في عزلهم، لأصبح الجميع في بيوتهم، أو في المعتقل، قبل أن ينهي هو وجبة الفطور.
عن وضع إحداثيات القصر الجمهوري و منزل عاصي على خرائط الطيران الحربي و سلاح المدفعية
ما حدث بوقتها هو الآتي..
جاء اتصال على بيت السيدة سلمى مخلوف رحمها الله (زوجة والدي و أم أخوتي) في الطابق الثاني من بناية رفعت الأسد على أوتوستراد المزة، و كان من المفترض أن الاتصالات الخارجية يتم تحويلها من قبل عامل المقسم
و لكن هذا الاتصال لم يمر عبر عامل المقسم حيث أن أختي شذى رحمها الله عندما رفعت سماعة الهاتف جاءها صوت المتصل مباشرة من دون أن تسمع صوت عامل المقسم الذي من المفترض أن يخبرها باسم المتصل و مع من يطلب الكلام، و قد ظل ذلك الاتصال لغزا بلا حل إلى يومنا هذا.
كانت شذى في الرابعة عشر من عمرها، جاء صوت في سماعة الهاتف يسألها عن سيادة القائد ان كان موجودا أم لا؟
و طبعا بالنسبة لنا جميعا كانت الهواتف الداخلية للبيت آمنة بشكل كامل فلا أحد يستطيع التواصل معنا في الداخل سوى عامل المقسم، و رئيس الحرس، و الطباخين في المطبخ الذين كانوا خارج المبنى في المرآب الملاصق و ضمن حراسة مشددة مثلهم مثل المنزل. لم يخطر ببال شذى إلا أن يكون أحد الضباط من الخارج هو الذي يسأل، فجاوبته “البابا مو هون”.. فسألها من تكون؟ فقالت “أنا شذى”..
قال لها المتكلم: بتقولي للبابا أنو صار بيتكون محطوط على خرايط الطيران و رح يطلع الطيران يقصف البيت!!
كانت الرسالة بكل بساطة تقول أنو الدم صار مي، و أنو نحنا جاهزين نخوض ضدك أوسخ معركة و بأقذر الأدوات و الأسلحة، و شوف عن طريق مين عم نخبرك..و شوف كيف نحنا منوصل لنص بيتك.
جن جنون رفعت الأسد وقتها، لم يصدق ما حصل، بدأت التحقيقات مع الجميع لمعرفة كيف وصل الاتصال إلى داخل البيت، و لكن كل ذلك لم يأتي بنتيجة.
و بين أخذ ورد بين ضباط سرايا الدفاع و ضباط في سلاح الطيران تم التأكيد لهم بأن عدة مواقع تابعة لرفعت الأسد، بما في ذلك منزليه في المزة والمالكي -حيث كانت تسكن زوجته الدمشقية رجاء بركات- قد تم تثبيتها على الخرائط فعلا، و كان هذا التأكيد بطبيعة الحال هو النسخة الرسمية للتهديد بعد أن كان قد أرسل بنسخته القذرة.
أما بالنسبة لما قاله عاصي لفرات بأنه أعطى إحداثيات القصر الرئاسي لسلاح المدفعية فلا أعرف عنه شيئا، و لم أسمع أبدا أن رفعت الأسد فعل ذلك، قد يكون حصل و قد لا يكون. طبعا من يريد أن يقصف لا يخبرك بذلك حتى تخرج من المكان و تذهب إلى مخبأ سري، و لكن الواقع يقول أن حافظ الأسد انتصر من دون قتال، و كانت الحرب النفسية أقوى أدواته على الإطلاق.
ربما يعتقد البعض أنني في هذا المنشور أدافع عن رفعت الأسد، و لكنني في الواقع أقول الحقيقة كما أعرفها، و من يتابعني منذ سنوات يستطيع أن يشهد بأنني لا أجامل في الحقيقة مهما كانت. و قد جاء في حديثي هنا أن أملاك و أموال رفعت الأسد في فرنسا تعود إلى أواخر السبعينات.. أي إلى ستة أو سبعة أعوام قبل خروجه الشهير مع الأموال التي أخذها من أخيه و الصناديق إياها.. و لكن هذا حديث آخر لمنشور آخر.