هل يصدق هذا الأمر.. شاهد ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي في سوريا تحديداً (فيديو)
موقع المدن- وليد بركسية
يطرح تقديم الملحن المصري عمرو مصطفى أغنية جديدة كلياً للراحلة أم كلثوم، مستعيناً بتقنية الذكاء الاصطناعي، فرضية خيالية، تدور حول استخدام الأنظمة السياسية الديكتاتورية والقائمة على فكرة الخلود، مثل نظام البعث في سوريا، لتلك التقنيات، بهدف إطالة عمر الزعيم.
تنطلق الفرضية من سؤال: “لو كان الذكاء الاصطناعي حاضراً العام 2000 مثلما هو اليوم، هل كان النظام السوري حينها سيستخدمه لإطالة عمر رئيسه حافظ الأسد والتكتم على موته وجعله يعيش إلى الأبد؟
والسؤال اساسه يقوم على شعارات النظام التي مازالت مستخدمة حتى اليوم في سوريا لوصف النظام ككل، حيث يكرر الموالون الأشد ولاء أن “الأسدية” فكرة والفكرة لا تموت بزوال الأشخاص.
ومع غياب الذكاء الاصطناعي والحلول التكنولوجية لعائق الموت من تمكين حافظ الأسد من البقاء في السلطة حتى اليوم، فإن صناعة البروباغندا الأسدية التي تفترض الأبدية والدوام في السلطة، كانت مجبرة على تحويل معنى الأسدية وشعارها “الأسد للأبد”
من مقولة مرتبطة بشخص الرئيس نفسه إلى معنى يشمل عائلة الأسد ككل، وطوال العقدين الماضيين كان الضخ الإعلامي للنظام يبدأ من الأب حافظ نحو الابن بشار ومنه إلى الحفيد حافظ الذي يربط دائماً بجده، من ناحية الاسم ومن ناحية دفعه للواجهة الإعلامية والترويج لاستلامه السلطة بعد والده، في مناسبات مختلفة أيضاً.
وطوال سنوات حكمه كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مهووساً بفكرة الخلود، وتم وضعه صوره وتماثيله في كل مكان من الفضاء العام في المدن السورية وحملت أهم المباني والمنشآت اسمه من بحيرة الأسد إلى مكتبة الأسد وغيرها
ولهذا كانت وفاته العام 2000 صادمة ومحيرة، كيف يموت الذي لا يموت وكيف يفنى “قائدنا للأبد” وكيف تستمر الحياة من دون “الأب القائد للدولة والمجتمع” و”المؤسس والراعي لسوريا الحديثة”، وغيرها من الألقاب التي ابتكرتها الدعاية الرسمية لشخص الرئيس، ضمن شعار واحد “الأسد للأبد”.
الأسدية تعني الأبدية، وفيما استمر النظام من دون تغيير عبر توريث الرئاسة والألقاب المرتبطة بها إلى الرئيس الحالي بشار الأسد، بعد تعديل الدستور السوري في لحظات كي يتوافق شرط العمر المحدد في الدستور إلى عمر بشار حينها من 40 عاماً إلى 34 عاماً
فإن ذلك أفرز تداعيات كثيرة، كتشكيك الحرس القديم في النظام بقدرات بشار على القيادة والظل الثقيل لحافظ على حياة الموالين للنظام حتى اليوم، والتي تأخذ شكل مقارنات بين ما قام به بشار للتصدي للثورة السورية، وما كان يمكن أن يقوم به حافظ، لمنع حدوثها من الأساس، فيما برز شعار “انهض يا أب الفقراء” استدعاء لروح حافظ بين الموالين الغاضبين من قيادة بشار تحديداً ضمن الطائفة العلوية، فيما كانت صور كتقبيل تماثيل حافظ وتقديم فروض الطاعة لها، حاضرة طوال العقد الماضي.
اليوم مع بروز الذكاء الاصطناعي واستخدامه لاستحضار الموتى، مثلما قام به الملحن المصري عمرو مصطفى من تقديمه أغنية جديدة كلياً للراحلة أم كلثوم، فإن فكرة خلود القادة السلطويين باتت واردة.
يمكن لنظام الأسد اليوم المنتشي بـ”انتصاره” في الحرب الكونية تخليد رئيسه بشار إلى الأبد حتى لو توفي من دون أن يدري أحد، عبر تقنيات التزييف العميق Deep Fake، بطرح صور ومقاطع فيديو يظهر فيها صوته وشكله من دون تغيير، فيما تتم إدارة البلاد وراء هذه الصورة المزيفة.
بالطبع فإن تلك الفكرة ديستوبية وربما تكون غير واقعية نظراً لتجاذبات السلطة ضمن أي نظام سياسي، لكنها تبقى مثيرة للاهتمام. وبالمثل نفسه يمكن لرؤساء مثل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والزعيم الروسي فلاديمير بوتين، الحياة للأبد، خصوصاً إن كان هنالك تحكم كبير من قبل السلطة في المعلومات إلى درجة لا يمكن لمن يعيش في تلك المجتمعات المنغلقة، معرفة الحقيقة من الكذب.
بيونغ يانغ على سبيل المثال تمارس رقابة شديدة على وسائل الإعلام والاتصالات، وتعد خدمة الإنترنت محظورة تقريباً باستثناء قلة من الموظفين الحكوميين، ولا يوجد سوى 1024 عنوان IP في كامل البلاد، ولا توجد محركات بحث نشطة مثل “غوغل” لمن لديهم إمكانية الدخول للشبكة بسبب العقوبات العالمية، فيما تحولت البلاد مطلع العام 2015 إلى ثقب أسود ضمن الإنترنت بسبب انقطاع الخدمة هناك لأسباب مجهولة.
ومؤخراً تحدث ممثلون ونجوم عالميون مثل توم هانكس وهاريسون فورد عن رغبتهم في الحياة إلى الأبد وتخليد شهرتهم الفنية عبر البدء بإجراءات قانونية لترخيص استخدامهم بعد وفاتهم عبر الذكاء الاصطناعي لتوليد أفلام جديدة لهم.
وهو ما ينطبق على مغنين وموسيقيين عالميين. مايكل جاكسون الذي يوصف بأنه ملك البوب على سبيل المثال، يتصدر كل عام لائحة المشاهير الأموات الأغلى دخلاً، من دون حتى استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد منتجات جديدة له تحمل اسمه وصوته وحركات رقصه الشهيرة، ويمكن تخيل كمية الأرباح التي يمكن الحصول عليها نظرياً في حال توجه ورثته إلى ذلك.
بالمثل، يمكن للذكاء الاصطناعي كتابة روايات وكتب لأدباء راحلين، تحديداً أولئك الذين يتصدرون قوائم المبيعات. مثلاً رواية جريمة جديدة من تأليف الذكاء الاصطناعي تحمل اسم الكاتبة البريطانية أغاثا كريستي! يمكن بسهولة لبرامج توليد النصوص محاكاة أسلوب كاتب معين من أجل تقديم نص جديد لا يمكن تفريقه عن كتابات موجودة أصلاً له! واليوم يضرب كتاب السيناريو في هوليوود لأول مرة منذ 15 عاماً لعدة أسباب من بينها الخوف من استبدالهم بالذكاء الاصطناعي.
وإن كان ذلك يحصل في الغرب حيث القوانين ومناخ الحريات، فإن انتشار أفكار الأبدية والخلود والقدسية التي تحاط بها الشخصيات العامة والمشاهير في الشرق الأوسط يحيل إلى ديستوبيا من نوع خاص. من الممكن مثلاً أن تموت المغنية اللبنانية فيروز من دون أن يدري أحد،
لأن ابنتها ريما الرحباني قد تتستر على الموضوع وتدفن والدتها في حديقة منزلهم، وتستخدم برامج الذكاء الاصطناعي لتوليد جديد لها، موسيقى وصور تبدو ملتقطة بالموبايل ومقاطع فيديو تحمل كلها علامة الملكية الخاصة بها “Watermark”، لأن ذلك يشكل فرصة سانحة للاستثمار في “دجاجة تبيض ذهباً” إلى الأبد.
إعادة الموتى وتخليد المشاهير بهذه الصورة المفترضة، قد تكون مثيرة ومشوقة بقدر ما هي مروعة من ناحية تكرار الصورة والملل الآتي منها. من يمكنه منافسة أم كلثوم وفيروز ومن يمكنه مقارعة شهرة توم هانكس في شبابه الأبدي؟ وكيف يمكن لقائد جديد أن يبرز طالما الأسد حي يرزق في السلطة؟ الأبدية بهذا التفسير قد تعني الركود وعدم الابتكار وعدم القدرة للأجيال الأصغر سناً من المنافسة والبروز، كما تعني تقديساً للماضي بوصفه أفضل مما للحاضر والمستقبل تقديمه!
ضمن هذا الواقع المتخيل الذي يبقى فيه الأغنياء والمشاهير والسياسيون متحكمين بالفضاء العام، هل يوجد معنى للحقيقة أصلاً؟ في سلسلة “ألترد كربون” في “نتفليكس” أسئلة مماثلة، وفيها تتجاوز البشرية فكرة الموت بحد ذاتها عبر التقدم العلمي الذي يجعل الموت اختيارياً، بينما يصبح الخلود هو السائد ليس فقط بالنسبة للأغنياء، بل للبشرية جمعاء. وفي السلسلة القاتمة توجد حركة مقاومة تحارب الحكومة العالمية بعمليات إرهابية من أجل إعادة الموت باعتباره عنصر العدالة الوحيد بين الناس مهما كانت طبقتهم الاجتماعية وثروتهم ومهنتهم وسلطتهم.
والمخيف أكثر في تلك الحركة المتخيلة أنها مؤسسة دينية، لأن من تبقى من مؤمنين في تلك الفترة، من مختلف الديانات التقليدية، كانوا قادة ذلك التوجه في المستقبل البعيد، خصوصاً أن الخلود في التفكير البشري كان مرتبطاً دائماً بالآلهة وبالحياة بعد الموت حيث تتحقق العدالة المنتظرة بالعقاب في الجحيم أو الحياة في النعيم بناء على الكارما أو ما قام به الإنسان من تصرفات على الأرض.