لماذا لبنان لا يريد الحرب؟
لا يوجد أي بلد في العالم يهوى الحروب، أو يريد الدخول في صراعات تنهك كيانه واقتصاده، حتى الدول العظمى التي تتمتع باقتصاد قوي لا يتأثر بتداعيات أي حرب يخوضها، تفضل عدم الدخول في توترات لا فائدة منها، حتى أميركا تفضل الدبلوماسية على الحروب، اما تلك الأنظمة الدكتاتورية فنراها تعتاش على الحروب والصراعات، لكن شعوبها تعيش في أسوأ الأحوال الاقتصادية، وتعاني من نقمة معيشية وتراجع في النمو.
فكيف الحال في لبنان، هذا البلد الذي لا يملك أدنى مقومات الصمود في مواجهة أي حرب مقبلة، فالأزمات تفتك ببنيته السياسية والاقتصادية، والحياة المعيشية مفقودة، والمواطن اللبناني لا يستطيع تأمين لقمة عيشه، والدولة عاجزة عن تأمين أدنى حقوق مواطنيها، فكيف إذ دخل لبنان في حرب مع إسرائيل، فمن سيدفع الثمن سوى المواطن، ومن سيعيد إعمار ما تهدم خصوصاً أن معظم الدول الصديقة للبنان ترفض سياسة الحروب وغير مستعدة بتاتاً بدفع كلفة الحرب التي يقوم بها فريق محور الممانعة.
اليوم، يبدو واضحاً أن اللبنانيين لا يريدون الحرب بأي شكل من الأشكال. فإذ يؤكد اللبنانيون تضامنهم مع الفلسطينيين وأهل غزة بشكل خاص، مطالبين بوقف إطلاق نار، يرفضون في الوقت نفسه الانجرار في الحرب، خصوصاً أن الوضع اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه في عام 2006، ويعبرون صراحة عن قلقهم في شأن الأيام المقبلة إذا ما اتسعت رقعة الحرب وألحقت إسرائيل بلبنان الدمار، وقامت بمجازر كتلك التي في غزة. إنما أيضاً، يبدو ثمة تفاوت في النظرة إلى الحرب وطبيعتها.
رسمياً، لبنان لم يدخل بعد في حرب واسعة مع إسرائيل، لكن ما يحصل في الجنوب كارثي على الرغم من أن رقعة الحرب محصورة في قرى وبلدات معينة، ورغم ذلك فإن المعاناة كبيرة، وكلفة الدمار باهظة جداً، والأرقام صادمة، إذ تخطت قيمة الأضرار التي لحقت بالمباني والمؤسسات والبنى التحتية جراء القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان خلال 7 أشهر، ملياراً ونصف المليار دولار، ولا أحد من المعنيين يتحرك لمسح الأضرار تحت حجة القصف الدائر في الجنوب، فيما الجنوبيون متروكون لمصيرهم.
تشير الأرقام الأخيرة، إلى أن هذه الكلفة لا تشمل المناطق التي يتعذر الوصول إليها، ما يعني أن الحصيلة غير نهائية، والأرقام مرشحة إلى الارتفاع مع استمرار التوتر في الجنوب، وهذا عدا عن أنه في حال توسعت رقعة الاشتباكات ستكون الكلفة باهظة أكثر من المتوقع.
إضافة إلى أن أكثر من 93 ألف شخص قد أجبروا على النزوح من منازلهم خصوصا من القرى الحدودية، ولم يتمكن هؤلاء من العودة حتى الآن.
ووفقاً للمسح الأخير، هناك آلاف الوحدات السكنية تضررت جزئيا أو كليا. كما يقدر مجلس الجنوب “المنازل المهدمة كليا بــ1700 منزل، يضاف إليها 14 ألف منزل تضرر جزئيا. كما ألحق القصف أضراراً بالحقول الزراعية.
يشار إلى أن دفع التعويضات للمتضررين في الجنوب مشكوك فيه بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من أربع سنوات.
لكل هذه الأسباب والتداعيات السياسية والمعيشية والاقتصادية، فإن لبنان لا يريد الحرب، ولا يريد تدمير ما تبقى من مستقبل، وأمل بعيش كريم يطمح له اللبنانيون بعد هذا الكم الهائل من الأزمات والسياسات الفاسدة التي أهدرت أموال الخزينة، وبتنا في وطن الظلام بلا كهرباء، والليرة اللبنانية خسرت قيمتها، وفقدنا القدرة الشرائية، فكيف لنا أن ندخل بعد كل ذلك في حرب لا تعنينا؟