سر استخدام دولة عربية لكلمة “سوري” على كل شيء عصري وجميل.. شاب سوري يشعل مواقع التواصل.. شاهد
انتشر في الفترة الماضية على شبكات التواصل الاجتماعي فيديو لشاب سوري يُدعى محمد أغيد، تناول فيه اللهجة التونسية بأسلوب طريف معرجاً من خلاله على كلمات كثيرة تبدو غامضة وصعبة الفهم على غير التونسيين. ولاقى الفيديو نجاحاً كبيراً وتداوله الآلاف من المعجبين على موقع فيسبوك.
النجاح الذي حققه الفيديو دفع بالكثير من وسائل الإعلام التونسية إلى استضافة هذا الشاب البالغ من العمر 22 عاماً ويدرس الطب في تركيا، وتحدثت عنه مختلف الإذاعات والصحف والبرامج التلفزيونية. أغيد Aghid، كما يُسمّي نفسه وصفحته على فيسبوك،
زار تونس ونشر فيدهوات أخرى لاقت تفاعلاً كبيراً من قبل التونسيين في الشارع. تجوّل الشاب السوري في منطقة سيدي بو سعيد التونسية التي تُعتبر أحد أهم المعالم السياحية في البلاد، كما قام بجولة في شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الأعرض في العاصمة تونس،
وذلك وسط ترحيب كبير من الناس. في الفيديو الأول الذي نشرهُ في إطار حديثه عن اللهجة التونسية والكلمات المستعملة، طرح سؤالاً حول استعمال التونسيين في لهجتهم المحلية كلمة “سوري” عند الحديث عن كل ماهو “أجنبي وإفرنجي” على حد تعبيره.
وتساءل بلهجته السورية قائلاً: “ليش يا توانسة، فهموني بَس ليش؟ ليش بتقولوا على الشخص الأجنبي سوري؟ ليش كل واحد إفرنجي بتونس بتشوفوه بتقولوا عليه سوري؟”.
وفي الفيديو الذي صوّره في شارع الحبيب بورقيبة، أعاد طرح السؤال مرة أخرى بعد أن اكتشفَ أن التونسيين يطلقون إسم “سورية” على القميص (Chemise). ولكنه لم يظفر بإجابة حتى من المارة الذين طرح عليهم السؤال.
وفي السياق نفسه، كان الكاتب حسين راشد الصباغ قد أورد في مقال كتبه في صحيفة “الوسط البحرينية”، حكاية طريفة حدثت لصديق له وهو محافظ مدينة تونس.
وخلاصتها أن صديقه هذا “كان في روما لحضور مؤتمر المدن العالمية ممثلاً لتونس، وصودف أن محافظ مدينة دمشق فقد شنطته وأمتعته بعد وصوله إلى مطار روما، والعثور عليها لن يتأتى إلا بعد عدة أيام، فقال المحافظ التونسي لصديقه السوري وهو يعرض عليه خدماته إن في شنطته الكثير من الملابس ولوازم السفر الضرورية،
وخاطبه إن لديه سورية بيضاء ناصعة وجميلة وهو يقدمها إليه، فاشتاط غضباً وخرج عن طوره، لولا أن شرح له محمد بوليمان أن كلمة سورية في تونس تعني قميص، وهنا هدأت ثورة غضب المحافظ السوري وشكر صاحبه على أريحيته وضيافته العربية الأصيلة”.
كيف يستعمل التونسيون كلمة “سوري”؟
يستعمل التونسيون كلمة “سوري” عادةً لتوصف كل ما هو غربي وعصري وحديث ومتطور، فالتونسيون يقولون لمَن يتكلم بالفرنسية “يحكي بالسوري”.
أما المأكولات الغربية التي ليست من المطبخ التونسي فهي “ماكلة سوري”، في حين توصف الأزياء غير التقليدية والأوروبية في تونس بأنها “لبسة سوري”. كما يُطلق التونسيون هذا الوصف على المعمار الأوروبي للبيوت، فـ”الفيلا السوري” هي البيت الذي يُبنى على الطراز الغربي لا على الطراز المحلي الذي يُسمى “دار عربي”.
كما تُسمّى قاعة الجلوس في البيت إذا كانت مصمّمة على نمط غير تقليدي أو مؤثثة بأثاث مستورد “صالة سوري”، وذلك بخلاف صالات البيوت التي تؤثث بأثاث تقليدي وتونسي وتُسمّى “صالة عربي”. إذن، تستعمل كلمة سوري في الثقافة التونسية كنقيض لوصف “عربي”.
وتُوصف الحفلات الليلية (وخاصة الأعراس) التي تقام على غير النمط التقليدي المحلي بأنها “سهرية سوري”، بخلاف الحفلات التي تراعى فيها التقاليد المحلية من فلوكلور وديكور وأزياء وتُسمّى “سهرية عربي”.
لماذا يستعملُ التونسيون كلمة “سوري” بهذا المعنى؟
في كتابه “تونس والتحديث” (ص. 18)، يقول الدكتور الهادي التيمومي، المؤرخ وعالم الاجتماع التونسي، إن تأثيرات الحداثة الأوروبية “وصلت إلى تونس في القرن الـ19 بطرائق مختلفة، سلمية وغير سلمية، وقد سبق هذه التأثيرات بعقودٍ طويلة وقوعَ البلاد تحت الاستعمار الفرنسي المباشر عام 1881”.
ويضيف التيمومي أن هذه التأثيرات دخلت البلاد “عبر قناتين متداخلتين ومتزامنتين: القناة الفرنسية (رأسماليون، مدرسون، مبشرون، دبلوماسيون، زوار…) والقناة الشرق أوسطية (تأثير حركة محمد علي التحديثية في مصر، ضغط الآستانة، نشاط رجال الأعمال والصحافيين السوريين بتونس مثل أحمد فارس الشدياق، أو منصور الكرليتي،
كان من مؤسسي “الجمعية العلمية السورية” في بيروت عام 1847 وهي أول صوت للقومية العربية في العالم العربي باعتراف كل المؤرخين، وكان الكرليتي معروفاً بثقافته الواسعة وبمعرفته بالحضارة الغربية وكان علمانياً في الفكر ديمقراطياً في الاختيارات”.
وعن تأثير هؤلاء المثقفين السوريين في الثقافة التونسية، يضيف الدكتور الهادي التيمومي في كتابه المذكور: “أثر الكرليتي كثيراً في الثقافة التونسية في النصف الثاني من القرن 19، شأنه في ذلك شأن بعض كبار المثقفين الشوام الآخرين الذين ترددوا على تونس واشتغلوا بها أو أقاموا فيها فترات طويلة أو قصيرة”.
وتابع: “كانوا سماسرة للأوروبيين ومترجمين وصحافيين مثل الأديب الشامي الكبير أحمد فارس الشدياق (1804-1887) الذي تردد على تونس زمن أحمد باي ومحمد باي،
ودخل فيها الإسلام وتخلى عن مسيحيته، أو الشامي رشيد الدحداح (1813-1889)، السمسار والمترجم الذي عمل زمناً في تونس في الستينات، وقد نشر عدد من هؤلاء المثقفين بعض الأفكار التنويرية مثل أهمية الأخذ عن العالم الغربي وتحرر المرأة والتسامح الديني”.