ترند بوست – متابعات
دولة عربية تكتشف ثروة ستجلب ملايين الدولارات بديلا للنفط ؟
ليس النفط وحده ما يملكه العراق، لكن بسبب الوضع السياسي والأمني الذي تشهده البلاد، لم تفلح الحكومات العراقية في استثمار الثروات المعدنية الأخرى غير النفط.
وضع جعل العراق رهينة لعمليات تصدير النفط الذي يشكل المصدر الرئيس لموازنة البلاد بأكثر من 95%.
ما تاريخ استكشاف الثروات المعدنية؟
كثيرة هي الثروات المعدنية التي يحظى بها العراق واكتشفت بخبرات محلية، وهذا ما أكده في وقت سابق خلدون البصام المدير العام السابق لشركة المسح الجيولوجي، التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، حيث قال إن “كل الاكتشافات المعدنية في البلاد تمت بأياد عراقية منذ عام 1966، وإن الاكتشافات الخاصة بامتلاك العراق الاحتياطي الأول في العالم من الكبريت والاحتياطي الثاني بعد المغرب من الفوسفات، تم إنجازها من قبل المسح الجيولوجي العراقي، ضمن مشروع تحديد الاحتياطيات للفترة من عام 1986 إلى 1990، باكتشاف 10 مليارات طن من الفوسفات”.
ما حجم احتياطاتها وأين توجد؟
وفقًا لتقارير ومسوحات جيولوجية سابقة، فإن العراق يحظى بثروة معدنية غاية في الأهمية، تتركز في عدّة مناطق وبمخزونات احتياطية كبيرة جدا. إذ يوجد الفوسفات بكميات كبيرة في المناطق الغربية من البلاد وفي محافظة الأنبار بصورة رئيسية، كما يوجد في نينوى (شمال)، وواسط والنجف والمثنى (جنوبا)، ويقدّر حجم الاحتياطي منه بـ10 مليارات طن.
وذكر بحث نشره مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية (عراقي مستقل) العام الماضي، أن العراق بلد غني بثرواته المعدنية المتنوعة التي تنتشر في كثير من محافظاته، مشيرا إلى أن محافظة الأنبار تعد الأغنى في مجال الثروة المعدنية. وأضاف أنه بحسب الشركة العامّة للفوسفات العراقية، التابعة لوزارة الصناعة، فإن المسوحات الأخيرة كشفت عن توافر احتياطات هائلة ومؤكدة من الفوسفات تبلغ حدود ملياري طن مؤكدة وغير مستثمرة، مع وجود كميات غير مؤكدة قد تتجاوز 7 مليارات طن.
أما معدن الحديد، فيتركز وجوده بشكل خاص في صحراء جنوب غربي الأنبار، حيث يقدَّر الاحتياطي تحت الأرض بنحو 60 مليون طن، في الوقت الذي تتمتع فيه محافظات الأنبار كذلك باحتياطي كبير من اليورانيوم في منطقة عكاشات ضمن تشكلات طبقات الفوسفات في الصحراء الغربية.
ولا تقف الثروات المعدنية في الأنبار عند هذا الحد، إذ تتركز السيليكا في منطقة الصحراء الغربية، وتظهر على شكل طبقات من الرمال البيضاء، حيث يبلغ الاحتياطي نحو 75 مليون طن، أما المعدن الأصفر الذهب فيوجد في محافظتي الأنبار وغربي نينوى، فيما تتركز كميات هائلة من الكبريت في الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وتُقّدر الاحتياطيات بأكثر من 600 مليون طن.
وبالذهاب إلى كبريت الصوديوم، فينتشر في محافظة صلاح الدين ويُقدر الاحتياطي العام منه بنحو 22 مليون طن، أما الكوارتزايت فينتشر في منطقة الرطبة بالأنبار وتُقدر الاحتياطات منه بنحو 16 مليون طن.
في حين تنتشر مادة السلستايت (كبريت السترونتيوم) في محافظتي النجف وكربلاء، حيث يظهر على شكل عدسات صخرية رملية، ويُقدر احتياطي البلاد منه بنحو 0.8 مليون طن غير مستثمر.
أما الزجاج، فيتركز وجوده في محافظة الأنبار على شكل رمال سطحية برّاقة في السهول والهضاب، وتُقدر الكميات الموجودة منه بنحو 400 مليون متر مكعب، في حين يوجد الرصاص في محافظتي دهوك والسليمانية بإقليم كردستان على شكل صخور كربونية مترسبة، ويُقدر حجم الاحتياطي منه بأكثر من 50 مليون طن.
وتشير الإحصاءات إلى وجود الدولومايت في محافظتي الأنبار والمثنى، حيث يُقدر احتياطي البلاد منه بنحو 330 مليون طن.
وبالنسبة للجبسم، فيتركز في نينوى وكركوك وصلاح الدين، ويقدر الاحتياطي منه بنحو 130 مليون طن، أما الكلس فيوجد في الأنبار والمثنى والنجف ونينوى وكردستان، ويُقدر الاحتياطي منه بنحو 8 آلاف مليون طن، في حين توجد الفضة في مناطق كردستان العراق ضمن الصخور البركانية.
كما يتركز البوكسايت في الأنبار، ويُقدر الاحتياطي منه بنحو مليون طن، أما رمال الفلدسبار فتتركز في محافظة النجف، ويقدر الاحتياطي منها بنحو 2.3 مليون طن.
ويتركز الكوارتز في الأنبار ومدينة الفاو الواقعة على مياه الخليج العربي في البصرة، حيث يُقدر الاحتياطي منها بنحو 855 مليون متر مكعب، أما النحاس فيوجد في محافظة السليمانية، وتتفاوت تقديرات حجمه بين 10 و20 مليون طن.
أستاذ الاقتصاد الدولي الدكتور نوار السعدي (الجزيرة)
السعدي: هناك إمكانية لأن تصبح المعادن في العراق موردا رئيسا بعد نضوب النفط أو انخفاض أسعاره (الجزيرة نت)
هل تصبح الثروات المعدنية موردا رئيسيا بعد نضوب النفط؟
ساهم النفط في التقليل من أهمية استكشاف المعادن الأخرى، إلا أن أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي يرى أن الوضع قد تغيّر الآن، مشيرا إلى تقارير الاقتصاد العالمي التي تؤكد أن الثروة النفطية قابلة للنضوب مع احتمالية تراجع الطلب إلى حدٍ كبير في السنين القليلة القادمة، وفق ما تحدث به للجزيرة نت.
هذه التوقعات دفعت السعدي إلى الإقرار بإمكانية أن تصبح المعادن الموجودة في العراق موردا رئيسا بعد نضوب النفط أو انخفاض أسعاره مستقبلا، لكنه يربط ذلك بالحاجة إلى شركاتٍ عالمية لاستخراجها وتصديرها، فضلاً عن أن استثمارها يحتاج إلى أموال وقانون مُتكامل.
ولفت إلى أنه في حال تم تحويل المعادن المستخرجة إلى صناعات دقيقة وعالمية، فمن الممكن أن تصبح مساوية للنفط أو أكثر، مستبعدًا حدوث ذلك في المستقبل القريب.
لماذا لم تستثمر من قبل؟
وضعت الحكومة العراقية عام 1981 خطة مستقبلية للبلاد، تفيد بأن استثمار جميع الثروات المعدنية والغازية في البلاد سيكون من نصيب أجيال ما بعد عام 2050، وهو ما يؤيده السعدي الذي علل ذلك بقوله “لو تم استثمار تلك الثروة في الفترة الماضية، لتبددت الآن، كما تبددت عائدات النفط خلال السنوات العشرين الماضية، لكونها تحتاج إلى حكومة ذات إرادة وطنية تهتم بالمصلحة العامة، وليس أحزاب سلطة تتقاسم المغانم بينها”.
يُجيب السعدي عن هذا السؤال في معرض حديثه للجزيرة نت، بوصفه تلك المعادن بأنها موزعة على جميع محافظات البلاد، ويشير إلى أن آخر مسح أجرته هيئة المسح الجيولوجي العراقية بالتعاون مع جامعات تكريت وبابل والأنبار، أظهر أن العراق يحتوي على عشرات المعادن بكميات كبيرة، منها بعض المعادن النادرة كاليورانيوم والذهب والفضة والزئبق الأحمر والكبريت الحر، فضلا عن الحديد والنحاس والقصدير والكروم والنيكل والألمنيوم وغيرها من المعادن، موزعة تقريبًا على جميع محافظات البلاد من جنوبه إلى شماله ومن غربه إلى شرقه.
ويُقدّر السعدي ما يُمكن أن يؤمّنه استثمار الكبريت والفوسفات والسيليكا العالية النقاوة فقط لخزينة الدولة، بعائدات قد تتراوح بين 4 و6 مليارات دولار سنويًا، معبرا عن أسفه لبقاء الكثير من معادن العراق في مكانها دون استثمارها بشكل جيد.
لماذا يرتبط استكشاف المعادن بالشركات العالمية؟
عادة ما يكون استخراج المعادن واستثمارها حكرا على الشركات العالمية، وهنا يشير الخبير الاقتصادي بلال الخليفة إلى أن الدوافع وراء ذلك تتمثل في الخبرة الكبيرة التي لدى تلك الشركات، بالإضافة إلى أن استكشاف واستخراج وتحويل تلك المعادن يتطلب أموالا طائلة لا تستطيع الموازنة العامة للبلاد تغطيتها، وهو ما يؤدي بكثير من الدول إلى طرح مشاريع استثمار استخراج هذه المعادن على الشركات العالمية.
ويرى بلال الخليفة ضرورة أن يعتمد العراق على الشركات العالمية الكبرى، وأن يكون ذلك على مرحلتين، تبدأ الأولى باستكشاف المعادن الموجودة في البلاد وتحديد كمياتها، في حين أن المرحلة الثانية تستوجب وضع خطة لاستثمار تلك المعادن والاستفادة من تجربة الاستثمار في قطاع النفط والغاز.
ماذا عن قانون الاستثمار المعدني؟
يؤكد العديد من الخبراء أن عدم وجود قانون يُشجع على الاستثمار في الموارد المعدنية يعد من أهم وأكثر الأسباب التي غيبت هذا القطاع عن الاستثمار، لكن يبدو أن البرلمان العراقي قد انتبه لذلك مؤخرا، وهو ما يكشفه عضو لجنة الاقتصاد والصناعة فيه سوران عمر الذي أكد إجراء القراءة الأولى لقانون الاستثمار المعدني من قبل لجنته الأسبوع الماضي، وهو أول قانون يطرح في العراق حتى الآن، بحسبه.
ويقرّ عمر -في حديثه للجزيرة نت- أن الحكومات السابقة ولا سيما بعد 2003، لم تبد اهتماما بالقطاعات الصناعية واستكشاف واستثمار الثروة المعدنية؛ بسبب تفشي الفساد، وهذا ما جعل أغلب المعامل والمصانع تتجه نحو الإغلاق، مثل معمل الزجاج في الأنبار وغيره.
المصدر : الجزيرة