فاجعة تضرب مدينة سورية.. شبّان ذهبوا إلى دولة عربية وعادوا بنعوش ما  قصتهم؟

فاجعة تضرب مدينة سورية.. شبّان ذهبوا إلى دولة عربية وعادوا بنعوش ما  قصتهم؟

“خطوة روتينية” واحدة تفصل مدينة كوباني السورية عن استقبال عشرة جثامين لشبان من أبنائها خرجوا قبل أشهر لتحقيق “حلمهم الأوروبي المنشود” ليعودوا ضمن “نعوش”، بعدما غدرتهم “مراكب الموت” قبالة السواحل الجزائرية.

وهذه الحادثة ليست الوحيدة التي ستحل على “كوباني”، بل هناك “مصيبتين” أخريتين يعيشها أبناؤها أيضا، ممن وصلوا إلى الجزائر قبل أشهر للعبور إلى أوروبا، وتقطعت بهم السبل بين “مرحلين” و”محتجزين”، حسب مصدر مطلع ومركز حقوقي نشر تفاصيل عنهم، خلال الأيام الماضية.

وفي الثالث من شهر أكتوبر الماضي غرق قاربين هجرة غير شرعية قبالة السواحل الجزائرية، ما أسفر عن وفاة العديد ممن كانوا على متنه، ومعظمهم من مدينة كوباني ذات الغالبية الكردية، والواقعة على الحدود مع تركيا.

ولم يصدر أي تعليق رسمي جزائري حول هذه الحادثة في ذلك الوقت وحتى الآن، فيما تعرف ذوي الضحايا في المدينة على جثث 10 من أبنائهم، بينما يشير طبيب سوري وعضو لجنة مكلفة بمتابعة الحادثة إلى وجود اثنين من الضحايا السوريين أيضا، من اللاذقية ومحافظة حلب.

وعقب الكشف عن الحادثة والتعرف على الضحايا شكلت “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا لجنة لمتابعة تفاصيل الحادثة، والبدء بخطوات استعادة الجثامين، من أجل إيصالها إلى ذويهم في كوباني.

وعلى مدى الأسابيع الأربعة الماضية تمكنت هذه اللجنة من إتمام الإجراءات القانونية المتعلقة باستعادة الجثامين، وتنتظر في الوقت الحالي “خطوة روتينية” من الجانب اللبناني، لاسيما أن نقل جثث الضحايا سيكون على متن طائرة من الجزائر إلى لبنان، ومن ثم إلى داخل الأراضي السورية.

ومن بين الضحايا الغرقى: خليل علاء الدين سليمان، أحمد محمد رمو، ريناس مسلم شيخو، بكري محمد بوزان، خليل شيخ نبي محمد وباسل عبد القادر عيسى الذي يبلغ من العمر 22 عاما.
ونشرت شبكات محلية تغطي أخبار “كوباني” صورا للضحايا، وقالت إن مصير 9 أشخاص آخرين لا يزال مجهولا، بعدما غرق المركبين، قبالة سواحل وهران، في أثناء توجههما نحو إسبانيا ليلة الاثنين 3 من شهر أكتوبر.

“على أمل خطوة”
وفي التفاصيل يوضح محمد عارف علي، وهو طبيب من كوباني وأحد أعضاء اللجنة المكلفة بإعادة جثث الضحايا أن المركبين كانا محملان بالمهاجرين بقدرة تزيد عن استطاعتهما، وأن معظم من كانوا عليه من السوريين، ومدينة كوباني.

“بعدما فقد الاتصال بهم مباشرة شوهدت جثثهم على الشواطئ”.

ويقول علي لموقع “الحرة” إن المعلومات التي حصلوا عليها تفيد بأنه تم التعرف على 10 جثث من “كوباني”، مشيرا إلى أن إجراءات نقلهم القانونية انتهت في السفارة السورية بالجزائر، ومن قبل السلطات هناك.

ويضيف: “بقي فقط إجراءات السفارة اللبنانية. العدد الكلي للجثث 12 (10 من كوباني، 2 من اللاذقية وحلب) وننتظر توقيع وتصديق السلطات في لبنان، بحكم أن الجثث ستنقل من الجزائر العاصمة مرورا ببيروت، ومن ثم إلى الأراضي السورية”.

وكان من المقرر أن تتم “الخطوة اللبنانية الروتينية”، قبل يومين، لكن وبسبب انشغال بيروت بالقمة العربية المنعقدة تأجل الإمضاء عليها. ويتابع علي: “نتأمل أن ننتهي من الموافقة والتسهيلات اليوم”.

“مرحلين ومحتجزين”
ولم يتردد اسم الجزائر خلال الفترة الماضية كثيرا كجهة عبور لمهاجرين باتجاه السواحل الأوروبية، على عكس لبنان وليبيا والأراضي التركية، ومع ذلك شكّلت محطة محتملة للسوريين الذين يهربون من البلاد، على اختلاف مناطق النفوذ فيها.

وكان غالبية الشبان في شمال وشرق سوريا، وعلى الخصوص “كوباني” قد قصدوا هذه الوجهة مؤخرا على دفعات وضمن مسار طويل، يبدأ من مناطقهم التي تعيش ظروف معيشية صعبة، ويصل إلى النقطة صفر باتجاه أوروبا.

وبينما تترقب “كوباني” وصول جثامين أبنائها العشرة، تنتظر عائلات فيها أي خبر عن أبنائها الآخرين، الذين تقطعت بهم السبل، بعدما ألقت السلطات الجزائرية القبض على بعضهم، “ورحّلت قسما إلى صحراء النيجر”، وفق مركز حقوقي.

وذكر “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” أن السلطات الجزائرية ألقت حوالي 62 من المهاجرين، بينهم نساء وأطفال في منطقة صحراوية مقطوعة على الحدود مع النيجر، وذلك “بعد مصادرة هواتفهم وكل مقتنياتهم الأخرى”.

وأضاف المركز أنه حصل على قائمة باسم أغلب “المرحّلين”، فيما “ما زال أكثر من 55 آخرين محتجزين في مدينتي وهران و مستغانم بانتظار ترحيلهم”.

وكانت السلطات الجزائرية قد اعتقلت المهاجرين في مدينتي وهران ومستغانم في 15 من أكتوبر الماضي، وقررت ترحيلهم إلى النيجر رغم المناشدات بوقف الترحيل ومخاطر ذلك على حياتهم، “خاصة أن هؤلاء لم يدخلوا الأراضي الجزائرية من النيجر، وأن جوازاتهم تحمل التأشيرة الليبية”.

ولم يصدر أي تعليق من جانب السلطات الجزائرية حول هذه المعلومات التي أكدتها تقارير إعلامية أخرى، منها الذي نشرته قناة “روداو” الكردية، بعدما استضافت “مسعود قادر”، أحد الشبان الكورد المرحلين إلى صحراء النيجر

وقال قادر: “نحن حاليا متواجدون على حدود النيجر، بيننا فلسطينيون ويمنيون”، وإن عددهم كسوريين يبلغ “62 شخصا، 50 منهم من كوباني بينهم نساء وأطفال”.

بدوره يشير عضو اللجنة المكلفة من قبل “الإدارة الذاتية”، الطبيب محمد عارف علي إلى أنهم سمعوا أن مجموعتين تم ترحيلهما إلى صحراء الجزائر على حدود النيجر، وأن كل واحدة تضم 20 شخصا.

ويقول الطبيب السوري: “قسم كبير يحاول التواصل مع مهربين للدخول مجددا إلى الأراضي الجزائرية بحكم أنهم لا يستطيعوا العودة لسوريا، بينما لا يريدون الاستغناء عن فكرة الهجرة”.

“هؤلاء دفعوا أموالا للمهربين، وماتزال عالقة ولم يتمكنوا من استعادتها”.

من جانب آخر، يضيف علي: “هناك أشخاص معتقلين لدى السلطات الجزائرية، بحكم أنهم مشاريع للتهريب، وأنهم دخلوا بصورة غير شرعية”.

علاوة على ذلك، لم يتبين مصير 5 من أبناء مدينة كوباني حتى الآن، إذ ما يزال مصيرهم مجهولا، فيما تواصل عائلاتهم البحث عنه.

” احتمالية غرقهم موجودة، وربما في السجون”، ويشير الطبيب السوري: “سمعنا أن هناك عائلة من درعا بين قائمة المحتجزين. هذا هو القدر السوري”.

“حملات سابقة”
وسبق وأن حذرت “الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان” في أوقات سابقة من تنامي تجارة البشر في البحر الأبيض المتوسط، والتي أصبح امتدادها يشكل خطرا على الدول النامية والفقيرة، وذلك بالانتقال إلى المهربين، الذين يجدون من تهريب البشر والاتجار بهم مكسبا ماليا يضاهي التجارة بالمخدرات.

وذكرت الرابطة أن المهربين يجنون نحو 7 مليارات دولار سنويا، ونحو 60 ألف دولار أسبوعيا، فيما يتراوح سعر تذكرة الهجرة غير الشرعية بين ألف و10 آلاف دولار أميركي، إذ تختلف الأرقام حسب الدولة المصدرة للمهاجرين.

وفي 17 من أكتوبر الماضي أشارت صحيفة “الجمهورية” المحلية إلى أن “وحدات المجموعة الإقليمية للدرك الوطني بوهران تمكنت من إحباط محاولات الهجرة غير شرعية عبر البحر لـ 79 شخصا من بينهم 14 مدبرا لهذه الرحلات”.

وأضافت: “مكنت العملية من حجز عتاد الإبحار، والمتمثل بـ 5 قوارب بقوات مختلفة مابين 60 إلى 150 حصان بخاري، 3 سيارات سياحية، شاحنة، دراجة نارية، ومبلغ 2000 يورو، بوصلة توجيه، 30 صفيحة بنزين سعة 30 لتر”.

قبل ذلك، في أواخر شهر أغسطس تحدثت صحيفة “النهار” الجزائرية أن “مصالح خفر السواحل بولاية سكيكدة أحبطت محاولة هجرة غير شرعية لـ14 شخصا”.

عبد المجيد مراري مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة إفدي” الدولية قال لموقع “الحرة” إنهم اطلعوا على تقارير “ترحيل السوريين واحتجاز قسم آخر منهم في الجزائر”، وإنهم تأكدوا منها.

ويضيف مراري: “ما توصلنا إليه أن عدد المرحلين 70 لاجئا. 55 منهم من السوريين، والبقية من اليمنيين والفلسطينيين”.

“الجزائر ترتكب انتهاكات في هذا الأمر، وخاصة أن هناك أطفالا ومرضى، ومن غير المقبول أن يبقوا في منطقة محايدة مع النيجر. باتوا ضحايا المهربين الذين يهددونهم ونزعوا أموالهم وسرقوها”، حسب تعبير ذات المتحدث.

ويشير إلى أن “الجزائر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية”، وأن “اتفاقية حماية اللاجئين عام 1951 تلزمها بمعاملة اللاجئين بطريقة إنسانية، وأن تنظر للجوء على أنه حق وليس منحة”.

Exit mobile version