منها المنطقة 35 وجبال الذهب في العوينات.. أماكن تموضع الذهب و“الأضخم” عربياً
لاشك أن ليبيا وعلى امتداد مساحتها الشاسعة تعتبر أرضا عائمة على بحر من النفط بشكل جعل عائدات النفط تشكل 100 % من ميزانية الدولة الليبية.
ولكن ما هو معلوم للقلة وبشكل خاص للقوى والدول المتصارعة على الأرض الليبية لنهب ثرواتها والسيطرة عليها هو امتلاك الأراضي الليبية لمخزون هائلة من احتياطيات الذهب الذي تسرق كميات كبيرة منه ويستخرج بشكل غير قانوني بعيدة عن قوانين الدولة وسلطتها وبشكل خاص في المناطق الحدودية التي تربط ليبيا بدول الجوار لها من التشاد والسودان والنيجر.
أين يوجد الذهب؟
يقول محمد عاشور، صاحب محل ذهب في مدينة القطرون وبائع أجهزة كشف عن الذهب: “بداية اكتشاف الذهب كان في 2012 على يد شباب في جبال تبستي، بالتحديد في منطقة (مسكي) داخل حدود تشاد بالصدفة، وفي عام 2014 تم اكتشاف الذهب في منطقة (براو) النيجرية وهي كلها مناطق تسكنها قبائل التبو التي تمتد أصولها في دول النيجر وليبيا وتشاد”، ويتواجدون فيها بحكم الانتماء القبلي.
نقب التبو الليبيون في تلك المناطق دون أي اعتراض، وتبعتهم القبائل الليبية الأخرى التي انسحب الكثير منها وباعوا أجهزة التنقيب الخاصة بهم لصعوبة الطقس والبيئة بالنسبة لهم، على حد قوله.
وتضيف مصادر مطلعة أنه في أقصى جنوب ليبيا توجد عدة مواقع للتنقيب عن الذهب قريبة من بعضها يتم التنقيب فيها للحساب الشخصي، والسيطرة عليها تكون حسب المنطقة المتواجد فيها الموقع؛
فمثلاً في منطقة الجنوب الغربي لليبيا تسيطر قبائل التبو والحسانة والمحاميد وفي المنطقة القريبة من الحدود مع الجزائر تسيطر قبائل التبو والطوارق وفي حدود الكفرة جنوب شرق ليبيا تسيطر قبائل الزوية والتبو.
ولا يمكن لأي شخص غريب من منطقة أخرى أو من قبائل أخرى غير تلك التي تقع مساحات التنقيب في مناطقها أو تحت سيطرتها الدخول إلى هناك إلا بحماية شخصية من القوة المسيطرة هناك، سواء كان دخوله إلى هناك للزيارة أو العمل.
يحدث أحياناً أن تنشب اشتباكات مسلحة بين المجموعات الباحثة عن الذهب ولأسباب مختلفة دون وجود للدولة منذ أن بدء التنقيب.
تعتبر منطقة الـ35 وهي منطقة تبعد عن حدود تشاد بخمس وثلاثين كيلومتراً، من أكثر المناطق التي يتواجد بها تنقيب حالياً، بينما منطقة أخرى تسمى منطقة الـ(17) التي توجد داخل ليبيا تتم فيها تنقية وغربلة الذهب، إلى جانب كونها منطقة سوق كبيرة ومطاعم.
جبال الذهب في العوينات متروكة للنهب
كثرت أعمال التنقيب غير الشرعية عن الذهب في منطقة جبال العوينات جنوب شرق ليبيا خلال السنوات الأخيرة بسبب الانفلات الأمني، سواء كان ذلك من بعض المجموعات الليبية المسلحة أو حتى من مجموعات وعصابات قادمة من السودان وتشاد.
وأصبحت جبال العوينات هدفاً للتنقيب كونها غنية بالذهب، حيث جاء في تقرير للمجلس العالمي للذهب أن تحت جبل العوينات الجرانيتي وصخوره النارية السوداء يقع ثاني أكبر مخزون للذهب في القارة الإفريقية.
وتعد منطقتا كوري أدري والطينة، الغنيتان بالمناجم، بالإضافة إلى أخرى غير آهلة بالسكان مثل منطقة كركور حميد، من أكثر الأماكن التي تنشط فيها عصابات الذهب، حيث يوجد المعدن الثمين بكميات كبيرة في تلك المناطق بين الأودية.
وفتح وجود الذهب في الطبقات الأرضية شهية كثير من المنقبين غير المعتمدين من الدولة للقدوم للعوينات؛ حيث إن استخراجه لا يتطلب حفراً عميقاً ولا إمكانيات كبيرة.
وفتح الغياب الكامل للدولة عن هذه المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية، المجال أمام الغرباء للاستمرار في نهب خيراتها، ويؤكد متابعون أن مناجم الذهب في الأراضي الليبية ثروة وطنية يجب عدم تركها للنهب.
وتقع سلسلة جبال العوينات أقصى الحدود جنوب شرق ليبيا وتمتد عبر الأراضي الليبية والمصرية والسودانية بمساحة تبلغ 1500 كيلومتر مربع والتي يقع أكثر من 60% منها في ليبيا، بينما الـ40% الأخرى تأتي ضمن حدود مصر والسودان.
طبيعة العمل للتنقيب عن الذهب
أغلب مناطق استخراج الذهب في ليبيا قريبة من الحدود مع تشاد والنيجر، ومنها على سبيل المثال الموقع (17) وموقع (بوكلين) وموقع (سويسرا) الذي ينشط فيه عدد من التبو في البحث عن الذهب طوال اليوم عبر مجموعات أو شركات.
طبيعة العمل باليومية، وتبلغ يومية العامل 70 – 100 دينار ليبي، ويبقى العامل في المخيم للمبيت، وتحصل أغلب مخيمات التنقيب على حاجياتها من الأسواق الحدودية ومنها السوق التي تقع قرب أي بوابة؛ مثلاً منطقة الـ17 المعروفة بالكامب فيها سوق حدودية لمختلف السلع والمواد، وتتوفر فيها خدمات الإنترنت عبر عدة شبكات يمكن بواسطتها إجراء اتصالات بجميع دول العالم.
وتتوفر بالسوق الحدودية كل البضائع المرغوبة حتى وإن لم تكن متوفرة في مدن أو قرى مجاورة، وذلك على حسب السوق والحركة ومواسم الخدمة، حيث يقوم تجار من التبو والمحاميد بتوفيرها وتأمين وصولها من المدن المجاورة الكبرى مقابل هامش ربح قد يتعدى ضعف سعرها الأصلي مرة أو مرتين.
أنواع الذهب وطرق بيعها
توجد أنواع وألوان مختلفة من الذهب المستخرج من الجنوب الليبي، فمثلاً الذهب الذي يتم اكتشافه على سطح التربة ولا يحتاج تنقيباً وحفراً يكون على شكل حجر أسود، وبعد المسح يصبح أصفر، وعياره أربع وعشرون قيراطاً، وأحيانا ثلاثة وعشرون قيراطاً، وهذا النوع يتواجد بشكل أكبر في منطقة “مسكي. وبراو”، وسعر الغرام منه أكثر من 165 ديناراً.
أما الذهب الذي يتم التنقيب عنه، فهو مختلط بالحجارة والتراب ويحتاج إلى غربلة وتنقية وتجميع، وعياره واحد وعشرون أو اثنان وعشرون قيراطاً لوجود الشوائب فيه، ويستعمل الزئبق لتنقيته وتجميعه حيث يتم خلطه مع الذهب والماء، ويتم حرقه ليتبخر الزئبق والماء، ليبقى الذهب صافي، وهذا النوع يكثر في منطقة (35).
عندما يخلط الذهب مع الزئبق يجتمع مع بعضه البعض ويصبح لونه أخضر، وأحياناً يتركه المنقبون دون تنقية، ويبيعونه بسعر أقل من سعر الذهب المنقى، وسعره 150 ديناراً، لكن وزنه يكون أكثر، وكلما تمت تنقيته من الزئبق أصبح أخف، ويزداد سعره لنقائه وارتفاع عياره.
يؤكد “عاشور” أن الكميات المستخرجة من مناطق التنقيب تصل لأكثر من عشر أطنان سنوياً، ويضيف أن الكميات بدأت تقل حيث كانوا كأصحاب محلات للذهب يتسلمون نصف كيلو يومياً لكل محل، أما الآن فيستسلمون أقل من 250 غراماً يومياً، ما يعادل تسعة كيلوغرامات لكل المحلات مجتمعة في القطرون، ومرزق، بسبب التضييق من الحكومات، وقلة الذهب المستكشف، واعتمادهم على الذهب المستخرج بالتنقيب أكثر من غيره، يضيف أن بعض الذهب المستخرج يتم بيعه وتصنيعه داخل ليبيا، والبعض الآخر يتم تصديره إلى “دبي” و”السعودية”.
استخراج الذهب
تمر عملية استخراج الذهب بمراحل عدة؛ حيث يتم تكسير الصخور الكبيرة بالموقع إلى أحجار صغيرة وكمية من الأتربة، وهذه قد تأخذ من 7 – 8 ساعات، ثم يجري نقلها إلى مكان العمل لتكسيرها وطحنها ثم تعويمها وغسلها بالماء ثم تسخينها وحرقها وغربلتها حتى يتم الحصول على مقدار صغير من الذهب الصافي.
وتشير التقديرات إلى أنه لكل يوم عمل أي 24 ساعة يتم الحصول على 50 – 100 غرام من الذهب الخالص، بما يعادل شهرياً 1-2 كيلو من الذهب الخالص. وفي حال أن العمل تشرف عليه شركة كبيرة بمعدات متطورة وعدد كبير من الأيدي العاملة يمكنها الحصول على كيلو من الذهب كل 3 – 4 أيام.
وكمية الذهب المستخرجة لا يمكن تحديدها بدقة بالنظر إلى ظروف البحث والتنقيب وتعدد مناطق البحث والاستخراج من جهة، وعدم إفصاح القائمين على تلك العملية عن الكمية الحقيقية لما استخرجوه من جهة أخرى.
تسويق الذهب المستخرج
الذهب المستخرج من المناجم الحدودية من عيار 21 و24، ولا يتم تسويقه بسهولة؛ إذ يتم نقله من قبل مندوبين لديهم تعامل مباشر مع عدد من محلات بيع الذهب في المدن القريبة مثل مدينة سبها، أو يتم نقله لسوق المشير في طرابلس أو لسوق الذهب في مصراتة وبنغازي، حيث يباع الغرام بـ220 – 250 ديناراً ليبياً، وهو سعر منخفض بالمقارنة بسعر بيعه في الخليج؛
حيث يكثر الطلب عليه ويبلغ سعره في دبي مثلاً 200 – 300 دولار، وتهريبه يمر بطرق خاصة محفوفة بالمخاطر حتى يصل إلى أسواق الذهب في الخليج، وتعتبر أسواق دبي من أشهر الأماكن للتسويق.
وجود خجول للدولة
يقول مدير فرع المؤسسة الوطنية لتعدين مرزق، جلال منصور هاشم في تصريحات صحفية: “قمت بزيارة لمناطق الذهب رفقة عميد بلدية القطرون علي سيدا في أبريل/نيسان من عام 2018، منطقة 17، ومنطقة بوكليل، واطلعت على ما يجري هناك، وبالمناسبة الجنوب الغربي الليبي يتوفر على عشرين معدناً من ضمنها الذهب،
وموضوع التنقيب عن الذهب في الجنوب الغربي الليبي معقد بعض الشيء، حيث إن عروق الذهب مطمورة في أعماق الأرض، وتحتاج شركات متخصصة لاستخراجها، وكل الذهب الذي نسمع عنه ويتم استخراجه، هو ذهب مستخرج من أراضي تشاد أو النيجر،
ففي مناطق تشاد والنيجر يمكن العثور عليه على سطح الأرض، من خلال التنقيب عنه لمسافات قريبة من الأرض، وبطرق بدائية.
وأضاف هاشم: “أرسلت تقريراً رسمياً للمؤسسة الوطنية للتعدين في طرابلس يوضح هذه المعلومات، وطلبت منهم منح مكتب مرزق المزيد من الصلاحيات في هذا الموضوع لتمكين المكتب من إصدار تراخيص الشركات المنقبة عن الذهب للعمل في المنطقة.
وتقدمت خمس شركات من ضمنها شركة أجنبية لها فرع في ليبيا بطلب تراخيص للاستطلاع والاستكشاف مبدئياً، وحتى الآن لم نعطِها تراخيص بسبب المركزية في الإجراءات داخل المؤسسة، كما أن العامل الأمني يلعب دوره أيضاً، رغم أن هذه الشركات تريد العمل على مسؤوليتها ولا تحتاج منا أن نؤمن لها تواجدها في حال الموافقة على إعطاء التراخيص،
وعبرت عن استعدادها لدفع الضرائب والتأمينات للدولة الليبية، وما زلت أنظر للخطوة على أنها إيجابية في ظل الوضع الحالي، كون تلك الشركات تملك الاستطاعة على التنقيب دون الحصول على ترخيص منا، ولكنهم حريصون على اتباع الإجراءات الرسمية”.
وأكدت مصادر مطلعة من القطرون جنوب ليبيا أنه في بعض الأحيان يتواجد أجانب من دول مجاورة يدخلون للعمل في مجال التنقيب، وتحدّث بعض شهود العيان عن وجود صينيين يتبعون لشركة صينية للتنقيب عن الذهب هناك على خط التماس الحدودي وداخل أراضي تشاد، لكن لم يتسنّ لنا التأكد من هذه المعلومة ولا معرفة اسم الشركة بعد.
قد يكون الذهب الأصفر بديلاً للنفط
تحتوي جيولوجيا ليبيا على احتياطيات كبيرة من الذهب والحديد والمغنيسيوم. لم يتم استغلال المعادن، اعتبرتها حكومة الوفاق سابقاً في طرابلس “علاجاً” في مواجهة تراجع إنتاج النفط خلال أزمة الحرب التي شنها خليفة حفتر على طرابلس في 2019.
وزير الاقتصاد السابق في حكومة الوفاق- معترف بها دولياً- علي العيساوي، قال في مارس/آذار 2020 خلال تصريح صحفي إنه مستعد للترحيب بالشركات الدولية لاستغلال الثروة المعدنية. مضيفاً أن هذا القطاع لا يزال بكراً في ليبيا.
وأكد العيساوي قائلاً: “لدينا دراسات جيولوجية تثبت أن لدينا ثروة جوفية”. وأوضح الوزير أثناء وجوده في تونس لحضور حدث استضافته وكالة التعاون التقني Expertise France (التي ألغيت في النهاية بسبب جائحة فيروس كورونا إذا استمرت عائدات النفط في النقص، فيمكننا اللجوء إليها).
ولم يحدد الوزير الإيرادات التي يمكن أن يولدها هذا القطاع، لكن الدراسات التي تعود إلى عدة عقود قدرت احتياطيات خام الحديد في الصحراء الليبية بنحو 3.5 مليار طن متري. في عام 2006، أكد وزير الصناعة والمناجم، محمد بشير بيجي، للعالم أن ليبيا لديها ثالث أكبر احتياطي لخام الحديد في إفريقيا.
صحراء ليبيا تحتوي على الملايين من قطع الألماس
أظهر اكتشاف جديد لعلماء جيولوجيون من جامعة ويتواترسراند في جنوب إفريقيا أن هناك دليلاً على وجود الملايين من قطع الألماس في الصحراء الليبية منتشرة في قطع صغيرة نتيجة ارتطامها بالغلاف الجوي، مشيرين إلى أن هناك أدلة كثيرة على وجود قطع من الألماس من المذنبات والنيازك التي سقطت على الأرض منذ ملايين السنين ترجع إلى عصر البلايستوسين.
وأكد تقرير العلماء أنه تم العثور على العديد من القطع الحصاة من الزجاج المنصهر لفتت انتباه الجيولوجيين تنتمي إلى تكوينات صخرية في الصحراء الليبية، وضعت على المجهر أظهرت أنها غير عادية. وقال العلماء إن هذه الحصاة أغلبها كربونية تتخللها قطع صغيرة تتكون من الألماس.
وبحسب التقارير التي نشرتها الجامعة، فإن وكالة ناسا للفضاء الأمريكية تنفق المليارات على جلب ميكروغرامات من الفضاء لجلب نفس هذه المكونات من الحصاة.
ليستمر بذلك خسارة الليبيبن لثروات بلادهم بأيد محلية وإقليمية ودولية تتصارع لتحقيق مصالحها ولتحرم أصحاب الحق من تحقيق أحلامهم باستقرار بلادهم وازدهاره.