العلماء يكتشفون جزيرة غريبة وغامضة.. شاهدوا فيها ما لم يرى من قبل.. ما سر هذه الجزيرة الغامضة؟
العلماء يكتشفون جزيرة غريبة وغامضة.. شاهدوا فيها ما لم يرى من قبل.. ما سر هذه الجزيرة الغامضة؟
صدم الأميرال الهولندي، جاكوب روغيفين، وطاقمه حين هبط على شاطئ إحدى جزر المحيط الهادئ عام 1722، ووجد أفرادًا شبه عراة تغطي أجسادهم الرسومات، يعبدون تماثيل عملاقة وضخمة للغاية، يشعلون النار ويركعون أمامها ويصدرون أصوات عالية
وصل الأميرال الجزيرة بالتزامن مع حلول يوم عيد الفصح فأطلق عليها اسم «جزيرة الفصح» أو «جزيرة القيامة»، فما قصة هذه الجزيرة وتماثيلها ذات الرؤوس الكبيرة؟
«الجزيرة المعزولة» مكان سياحي من طراز رفيع مهدد بالخطر:
تماثيل عملاقة قد تصيبك بالهلع عند رؤيتها، جذوع بشرية ضخمة نحتت من صخر بركاني تعلوها رؤوس كبيرة بأعين مفتوحة ووجوه عابسة تنظر للأفق بشكل مخيف في أرض يكتنفها الغموض والأسرار.
مثلث تحيط به المياه من كل اتجاه، مساحته 163 كيلومترًا مربعًا، تروى عنه أساطير وحكايات تدهش العقول وتحبس الأنفاس، تلك هي جزيرة القيامة أو جزيرة الرؤوس الكبيرة بالمحيط الهادئ، والتي صنفها اليونسكو موقعًا للتراث العالمي عام 1995، وهي مقصد سياحي وعلمي بالدرجة الأولى،
تتبع دولة شيلي جغرافيًّا، وتعد موطنًا للكثير من القصص والأساطير الخيالية التي ألهمت الأدب والسينما والتاريخ المجهول، وتستقبل نحو 100 ألف سائح سنويًّا يسافرون لزيارة المنطقة الأكثر عزلة وغرابة في العالم، من أجل الاستمتاع والاستكشاف.
تنتشر في كل بقعة من أرض المثلث الكبير تماثيل صخرية ضخمة تحمل لغزًا قديمًا لم يفك طلاسمه بعد، تدعى «المواي» ويصل عددها تقريبًا إلى 900 تمثال عملاق
تحتوي الجزيرة أيضًا على محاجر للنحت ومنازل حجرية وخنادق وممرات تبدو عشوائية بالنسبة لنا، تعد الجزيرة مكانًا غامضًا بالنسبة للعلماء والسياح، وتثير لديهم الكثير من التعجب والتساؤلات بسبب تلك المنحوتات العملاقة وسرها، وموقع الجزيرة المعزول!
ورغم كون الجزيرة مقصدًا سياحيًّا مهمًّا وجذابًا فإنها تقع ضمن قائمة 25 مكانًا سياحيًّا عالميًّا مهددًا بالخطر لعام 2020، ويتمثل هذا الخطر في غرق الجزيرة بمياه المحيط مع مرور الوقت، وعليه أطلقت اليونسكو مبادرة دولية لإنقاذ الجزيرة.
لماذا تعد «جزيرة القيامة» لغزًا يحير العلماء حتى الآن؟
شكلت جزيرة الرؤوس الضخمة أو جزيرة القيامة، لغزًا وسرًّا حير العلماء منذ اكتشافها على يد البحار الهولندي عام 1722م وحتى الآن.
ويعود سبب تلك الحيرة للعديد من الأشياء، أولها موقع الجزيرة في مكان معزول وناء يبعد الكثير عن أقرب تجمعات بشرية، إلى جانب طبيعتها البركانية الصعبة التي تجعل منها مكانًا غير مستحب للبشر، فمن إذن استوطنها وأقام عليها حضارة؟ ولماذا اختار هذا الموقع بالتحديد؟
ثانيًا، وربما السبب الأكثر إثارة للدهشة، هو أن تلك التماثيل العملاقة المنحوتة من صخور بركانية على شكل بشري، لا تمتلك أرجل! بل تملك فقط الوجه والجذع والذراعين، والتي قد يصل طولها إلى 10 أمتار بوزن أكثر من 20 طن.
ودائما ما يتساءل العلماء والسياح عن طريقة صنع ونحت تلك التماثيل والأدوات المستخدمة في هذا العصر وهذا العمل، وطريقة نقل تلك التماثيل الثقيلة من محاجر الصنع إلى أماكن نصبها، وما هو الأسلوب المستخدم في ترتيب ووضع تلك التماثيل التي تبدو عشوائية
ما الحكمة في وضع أغلب التماثيل بشكل يجعل المحيط خلفها والجزيرة أمامها وكأنها تحمي الجزيرة، وما الهدف أصلًا من تلك المنحوتات والسبب وراء صنعها؟
لكن هذه الأسئلة تبقى بلا إجابات قاطعة يجمع عليها الباحثون والعلماء، بل جعلت من الجزيرة مكانًا غامضًا وساحرًا، ورسخت الموقع بوصفه «لغزًا تاريخيًّا» يحاول العلماء اكتشافه، وحتى يومنا هذا لم يتوصل العلماء لتفسيرات أو نظريات يمكن الاتفاق عليها حول سبب وطريقة بناء ووجود تلك التماثيل التي تمثل مفتاح لغز الجزيرة المعزولة.
مختصر التاريخ الإنساني على جزيرة القيامة
اختلف العلماء حول تاريخ البشر على جزيرة القيامة، فهناك أبحاث غير مؤكدة تشير إلى وجود البشر على الجزيرة في العصر الحجري الحديث أي عام 4500 قبل الميلاد. ويرى معظم العلماء أنه جرى استيطان الجزيرة لأول مرة من قبل البشر في عام 400 بعد الميلاد، على يد قبيلة «رابانوي» التي أبحرت من جزر البولونيز وسميت الفترة الأولى للاستيطان.
شيد الرابانوي مجتمعًا زراعيًّا وحضارة عظيمة على أرض الجزيرة، وهم من قاموا ببناء تماثيل «مواي» على مراحل وسنوات طويلة وكانت تلك فترة الاستيطان الثانية من عام 500 إلى عام 1500م، بعدها وقعت نزاعات وحروب أهلية وكوارث بيئية عصفت بالجزيرة وأنهت الحضارة المجهولة، وهجرها السكان عام 1600م تقريبًا، وهي الفترة الأخيرة للسكان الأصليين في الجزيرة.
منها بدأ العالم وإليها ينتهي! أساطير وخرافات حول جزيرة القيامة
تناقلت الأجيال القصص والأساطير عن الجزيرة بشكل شفهي دون دليل تاريخي؛ مما جعلها أرضًا خصبة للقصص الأدبية والأفلام السينمائية والوثائقية والكتب التاريخية. من أشهر القصص عن الجزيرة، أن الجزيرة هي مهد الإنسانية وبداية العالم، والأرض المليئة بالأسرار والمعلومات عن البشرية والخلق، وهي أيضًا ساحل العالم ونهايته، ويعتقد الكثير في ذلك ومنهم النحات الأشهر في التاريخ البولندي «شوكالسكي».
من بين القصص المتداولة أيضًا أن تلك التماثيل صنعت على يد زوار من خارج كوكب الأرض، وأن التماثيل عمرها قديم جدًّا ولم يصنعها البشر؛ لصعوبة الأمر عليهم في هذا الوقت.
من أساطير جزيرة الرؤوس الكبيرة أيضًا أن الجزيرة كانت تتكون من قبيلتين فقط واحدة تدعي الآذان الكبيرة وهي المسيطرة، والأخرى تدعى الآذان الصغيرة وهي القبيلة المحكومة، وقامت بينهما حرب أهلية دموية أدت لفناء الجزيرة وصنعت تلك القصة فيلمًا في هوليوود.
ومن القصص المخيفة أيضًا أن تلك التماثيل تمثل أسلافًا عظامًا وتستدعي طاقات غريبة وقوية، وأماكن وضعها كانت مذابح مقدسة فيها جرى إراقة الدماء البشرية للتقرب للقوى الإلهية وأرواح الأجداد.
وهناك القصص التي ترجح أن غرض تلك التماثيل هو غرض روحاني ديني وصنعها ونصبها بتلك الطريقة ما هو إلا شعائر وتقاليد دينية قديمة، لكن ليس هناك أي دليل علمي مثبت على مثل هذه الحكايات، مما يضعها في إطار الخرافات.
بعثات علمية تحاول فك لغز الجزيرة!
أصبحت الجزيرة موقعًا علميًّا للأبحاث التاريخية والأثرية والجيولوجية مع وصول البعثة الإنجليزية عام 1914، وهي البعثة الاستكشافية الأولى للجزيرة والتي انتهت بكتابة كتاب يصف الجزيرة وتماثيلها وطبيعتها، وكان من المراجع العلمية الأولى عن الجزيرة ويسمي «أسرار جزيرة القيامة» لكاثرين روتليدج عام 1919.
بعدها جاءت البعثة الفرنسية عام 1934، وكانت واحدة من أهم البعثات في جزيرة القيامة، والتي انتهت أيضًا بكتاب «إثنولوجي جزيرة القيامة» لألفريد متيروكس، وهو مرجع علمي فريد عن الجزيرة.
من أشهر البعثات العلمية البعثة النرويجية بقيادة ثور هيردال عام 1955، أضاف ثور وزملاؤه العديد من المعلومات عن تاريخ الجزيرة وجرى تدوين تلك المعلومات في مجلدين بعنوان «تقارير البعثة الأثرية النرويجية إلى جزيرة القيامة وشرق المحيط الهادئ»، وأضاف ثور لاحقًا كتابًا ثالثًا يدعي «فن جزيرة القيامة»، ثم الكتاب الأشهر «أكو أكو» لثور هيردال، وفي عام 1989 قدم ثور كتابًا جديدًا أكثر تفصيلًا بعنوان «حل سر جزيرة القيامة».
قدمت تلك البعثات معلومات مؤكدة ومتفق عليها، منها أن التماثيل ليست قديمة جدًّا كما نعتقد، فقد بدأ صناعتها مع وصول البشر في القرن الرابع الميلادي تقريبًا وظلت صناعتها وعرضها قائمة حتى هجرها سكانها بعد الكارثة التي ضربت الجزيرة في القرن الخامس عشر، لكنهم لم يقدموا أسبابًا منطقية ذات أسس علمية لتفسير ظاهرة الموقع والرؤوس الكبيرة الكثيرة وسبب وضعهم بهذا الشكل، فقد كانت التماثيل في هذا الوقت عبارة عن رؤوس ووجوه كبيرة دون أجسام فقد كانت مدفونة، ثم ظهرت نتيجة عوامل التعرية الطبيعية.
أما بعثة كشف أجسام التماثيل في الفترة بين عامي 2000 و2012 فقدمت الكثير للعلماء، وهي بعثة تنقيب تدعى «مشروع تمثال جزيرة القيامة»، وكانت تهدف إلى كشف أجسام التماثيل ذات الرؤوس ومحاولة كشف سر اللغة المكتوبة على ظهورها، فقامت بالعديد من الحفرِيات الأثرية المهمة التي كشفت عن أجساد للرؤوس كانت مدفونة في الأرض ونجحوا في إخراج العديد منها، كما أنهم وجدوا نقوشًا غريبة عليها وأدوات وألوانًا استخدمت في صناعة التماثيل.
بعثة جامعة بينجهامتون نيويورك بقيادة الدكتور كارل ليبو، عام 2017- 2019، قد تكون البعثة التي قدمت تفسيرًا علميًّا مقبولًا لسبب وجود تلك التماثيل في تلك الوضعية والأماكن وهذا النمط، من خلال تحليل مواقع قواعد تماثيل «مواي» ترى البعثة أنها وضعت بجانب مصادر المياه العذبة على الجزيرة، وأن التماثيل ترمز للحياة نفسها؛ مصدر الماء الذي يحتاجه كل إنسان للعيش.
قد تبدو نظرية صحيحة؛ فأغلب قواعد التماثيل بجوار أماكن المياه العذبة على الجزيرة، لكن لم يتفق مع هذا التفسير بعض العلماء، ويقولون إنه لم يفسر سبب وجود تماثيل أخرى كثيرة، والتي تشكل مسارات تبدو عشوائية ولا تجاور أي مصادر للماء العذب، ويقول بعضهم إنها قد تكون رمزًا للسيطرة والهيمنة وتقسيم المناطق، لم يتفق المجتمع العلمي مرة أخرى وما زالت التماثيل صامدة لم تكشف بعد عن كل أسرارها.
وأخيرًا كيف تبدو «جزيرة القيامة» اليوم؟
يسكن الجزيرة اليوم قبائل تدعي «رابانوي» أحفاد السكان الأوائل، ويبلغ عددهم 7 آلاف نسمة وفق آخر تقدير عام 2012، وتعد الجزيرة مقصدًا علميًّا سياحيًّا عالميًّا تنتشر به الفنادق والنشاطات السياحية، مثل ركوب الخيل في الجزيرة والغطس لرؤية تماثيل تحت المحيط تغطيها شعب مرجانية، وإيجار السيارات لعمل جولات في الجزيرة والتأمل والتنقيب، وغيرها من النشاطات التي تشمل بالتأكيد الاستمتاع بمشاهدة التماثيل الضخمة في كل أرجاء الجزيرة.