منوع

سوري يكتشف اكتشاف عظيم يحتاجه الملايين ويبدأ في القيام به

ترند بوست – متابعات

سوري يكتشف اكتشاف عظيم يحتاجه الملايين ويبدأ في القيام به

يقول سعيد إنه لن يتخلّى عن كهفه حتى لو حصل على مسكن جديد (اندبندنت عربية)

أن “تنحت في الصخر” هي كناية مجازية لكفاح الفرد في الحياة سعياً منه لتأمين سبل العيش الرغيد، أو حتى الحصول على أدنى متطلباتها، لكن الشاب السوري سعيد حفر في الصخر كهفاً كي يأوي إليه هو وعائلته، هرباً من تكاليف الحياة الباهظة، التي عجز عن تحملها في ظل دوامة حروب بلاده المستعرة.

نحت متواصل

على مرتفع صخري في إحدى قرى طرطوس الواقعة غرب سوريا، وبقرية وديعة تمتاز بنسائمها العليلة، كغيرها من ريف الساحل تتشابك الغابات الممتدة بين الجبال والسهول لتلاصق البحر المتوسط. هنا عاش هذا الشاب بقرية يطلق عليها “خربة القبو”، لكنه كغيره من شباب بلده حاول جاهداً أن يحصل على مسكنه الزوجي الخاص به، أو حتى بنائه بكلتا يديه، إلا أن محاولاته كلها باءت بالفشل، بسبب غلاء تكاليف المواد، دون طائل من الحصول عليها لعدم توفر المال الكافي.

وإزاء ذلك لم يقبل هذا الشاب سعيد الصيوح مد يد العون من أحد، حسب قوله، ومع الإلحاح لضرورة المسكن لم يكن لديه أمل سوى أن يلجأ إلى الجبل، زارعاً فأسه في حجارته، ومع كل يوم يمضي من أيام الحفر المتواصلة تزداد الحفرة اتساعاً في جوف الجبل، ومعها ينتابه إحساس بحجارة هذا الجبل الذي يحتضنه، وهذا المرتفع الصخري الأصم كما لو أنه يحميه، ويحنو عليه وأولاده.

كهف حميم

وإن عاد هذا الرجل، (30 عاماً)، مع عائلته المكونة من زوجته وأربعة أطفال إلى عهود الإنسان البدائي أو إنسان الكهف القديم، لكن تبريره لهذا العمل الشاق، وعلى مدار أربع سنوات من نحته بالصخر قبل اندلاع الحرب تعطيك صورة عن تحدي الإنسان الطبيعة، وعزيمته على صنع المستحيل ليحافظ على كرامته من مد يد المساعدة على الرغم من العوز والفاقة والفقر المدقع الذي يعيشه.

على الجهة الثانية، يعيش بالقرب منه منزل أهله، وفيه أبواه العجوزان، لقد أوصل لكهفه التيار الكهربائي عبر منزلهما، “لا أملك سوى هاتف نقال قديم، وليس لديّ حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي إطلاقاً، ليس لأني لا أريد، بل لأن هاتفي لا يستقبلها، فأنا بالنتيجة لم أختر الكهف لأعتزل الحياة بالطبع، بل لتأمين السكن”.

ويسرد الشاب سعيد الصيوح لـ”اندبندنت عربية” حكايته مع ما يصفه بالكهف “الحميم”، ويعتقد أن ثمة ارتباطاً روحياً بينه وبين ذلك المكان، “لن أتخلى عن كهفي هذا، ولا أولادي، حتى وإن حصلنا على مسكن جديد، سيبقى ذكرى جميلة”.

ويحاول الصيوح إجراء توسيع لمسكنه الصخري بزيادة مساحته، فعائلته بدأت تكبر، إلا أن المفاجئ أن الحالة الصحية التي بدأت تباغته قد قوضت من سعيه لجلب أبواب للكهف، ورد بعبارة “الإله هو الحامي” في معرض استفسارنا عن عدم وجود أبواب في هذا المكان المقفر، فهو وعائلته عرضة لبرد الشتاء القارس، وللحيوانات المفترسة.

انعكاسات نفسية

وعلى الرغم من أن الفكرة بدت جنونية إلى أبعد الحدود في بداية الأمر ونادرة، فإنها وعبر سنوات من الحفر والتعب باتت واقعاً، حيث يمتد الكهف البشري لـ8 أمتار طول بعرض 6 أمتار، وقطنه قرابة 12 عاماً متواصلة.

من جانبها، تعتقد الباحثة الاجتماعية، رودينة إسماعيل، أن حالة الشاب سعيد تتطلب البحث والاستقصاء من عدة جوانب، ولفتت النظر في حديث لـ”اندبندنت عربية” كون الدافع مادياً بسبب تأمين المسكن، وليس اجتماعياً أو انعزالياً عن حياته ومحيطه، لكن الأمر لا يمنع من ضرورة إجراء دراسة ميدانية، إنه يبقى مثالاً للشاب الطموح وصاحب الإرادة الصلبة.

الكهف الذي يبعد عن الطريق الفرعي للقرية الصغيرة كيلومتراً واحداً يحتاج فيها الشخص الواصل للمكان إلى قطع زمن لا يتجاوز عشر دقائق، وعلى الرغم من إحاطته ببيوت صغيرة مترامية الأطراف، فإن واقع الحال يحمل ليلاً الكثير من الخطورة، والرعب، في حين الأمر بات طي النسيان له، وبالذات لأطفاله بعد أن اعتادوا الأمر.

في هذا السياق، ترى رودينة ضرورة إدماج العائلة، لا سيما الأطفال بمشاريع تنموية وتعليمية والاهتمام بهم وإعانتهم “من المهم اجتماعياً أن لا تفقد الأسرة صلتها بواقعها الاجتماعي، فعلى الرغم من عدم بعد المسكن الصخري عن القرية، لكنه يحمل اسم (كهف)، وهذا سيترك انعكاسات نفسية لدى الأطفال، الذين يحتاجون بالنتيجة إلى دعم من نوع خاص”.

إبداع في الزمن الصعب

في غضون ذلك تنكأ حكاية سعيد جراح الشباب السوري بتأمين المسكن، علاوة على مغبة الحصول على مواد البناء مرتفعة الثمن كما جرت العادة باقتطاع جزء صغير من أراضٍ شاسعة في الريف لإنشاء بيت صغير بات ضرباً من ضروب المستحيل في ظل هذه الظروف القاسية، هذا عن ارتفاع غير مسبوق بالعقارات بدأت منذ سنة تقريباً.

ومع كل ذلك، لا يقف شباب هذه القرية والمنطقة الساحلية بأسرها مكتوفي الأيدي، فعلى مقربة من قرية سعيد يبرز مثالاً لشاب حمل فكرة إبداعية، ولا تقل جنوناً عن فكرة الكهف، إذ مد الشاب فواز غنام كابلاً بين قمتين جبليتين شاهقتين بيده، وأقام أول رياضة “زيب لاين” روج فيها للسياحة البيئية، يرى غنام “الكهف فكرة مجنونة، لكن للضرورة أحكاماً”.

من جهته، يواظب سعيد على رعاية عائلته وأبويه وهو بالأساس يعمل قبل استدعائه للخدمة الاحتياطية في الجيش السوري بأعمال حرة مختلفة، أفضى لنا أنه يأمل أن يصنع كهوفاً شبيهة لكهوف شاهدها في أحد الأفلام السينمائية، ويدين لأخيه الصغير بمساعدته الكبيرة قبل عقد من الزمن على تنفيذ فكرته وإيمانه وتشجيعه له بتحقيقها، وعلى مقربة من شرفة الكهف يحتسي كوب الشاي ويرمق شاشة التلفاز، ليتابع فيلمه المفضل “طروادة”، دون أن يعلم أنه اقتنص البطولة في واقعنا الصعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى