بطريقة عبقرية.. فلاح سوري يبتكر جهازاً فريداً من نوعه يوفر الملايين اسبوعيا
ترند بوست – منوعات ومتابعات فريق التحرير
بطريقة عبقرية.. فلاح سوري يبتكر جهازاً فريداً من نوعه يوفر الملايين اسبوعيا
الماء ضروري للحياة. يعتبر قطاعا الزراعة والثروة الحيوانية في سوريا من المستخدمين الرئيسيين للمياه. يمثل الاستخدام الزراعي 80٪ من الاستخدام السنوي للمياه في البلاد وكل هذه المياه تقريبًا ملوثة بالمواد الكيميائية الزراعية والأسمدة وروث الحيوانات.
بالإضافة إلى ذلك ، أدى تغير المناخ الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى انخفاض في مصادر المياه الدائمة في البلاد. للتعامل مع هذه الأزمة ، تبحث البلدان في جميع أنحاء العالم عن طرق لتوفير الليرة السورية يوميًا في إعادة تدوير المياه. تتمثل إحدى طرق القيام بذلك في تنفيذ برامج فعالة لإعادة تدوير المياه في سوريا.
إن معظم التوفير في التكاليف من إعادة تدوير المياه سيكون ماليًا وليس بيئيًا. يمكن استخدام المدخرات المالية لدعم مبادرات التنمية الزراعية مثل تعزيز تقنيات الزراعة العضوية وتربية الماشية. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن للحكومات تعزيز تقنيات الري الفعالة التي تقلل الحاجة إلى الري التكميلي خلال أشهر الصيف.
يمكن لمعاهد البحوث الزراعية أيضًا تطوير محاصيل تتحمل الجفاف وتربية الحيوانات في الداخل في أوقات انخفاض هطول الأمطار. تتمثل إحدى التوفيرات المحتملة الأخرى في التكلفة في الحد من تلوث المياه الجوفية بالمواد الكيميائية الزراعية ومذيبات النفايات – وهو سبب رئيسي لتلوث المياه الجوفية في سوريا.
يصعب حساب عدد الليرات السورية التي يتم توفيرها يوميًا لعدم وجود أسعار صرف حالية ثابتة للليرة السورية مقابل العملات الأخرى. ومع ذلك ، تشير التقديرات إلى أن ما بين 70٪ و 90٪ من جميع المنتجات الخام التي يستهلكها السوريون مستوردة – ومعظمها يأتي من بلدان ذات ممارسات زراعية أقل استدامة من تلك المستخدمة في سوريا.
يمكن أن يقلل تقليل كمية المياه العادمة الزراعية الملوثة المستخدمة في إنتاج المحاصيل من كمية المنتجات المستوردة الملوثة بالملوثات الزراعية المحلية. سيكون لهذا تأثير فوري على الأمن الغذائي من خلال تقليل هدر الطعام بسبب التلوث من المواد الكيميائية الزراعية المحلية ومذيبات النفايات.
كمية المياه العادمة الزراعية الملوثة المستخدمة سنوياً في سوريا تتراوح من 5 مليون طن إلى 10 ملايين طن حسب مستويات هطول الأمطار – ما يكفي من السماد السائل لملء 400 حوض سباحة يومياً إذا تم استخدامها على الأرض بدلاً من أنظمة الري. الكمية التي يتم توفيرها سنويًا باستخدام 50٪ فقط من هذه المياه الملوثة ستكون 3 ملايين ليرة سورية – وهو ما يكفي لملء 250 شاحنة يوميًا بنصف مياه ملوثة لأغراض الري أو 13 شاحنة يوميًا للاستخدام البلدي فقط (بوزن 50 كجم لكل منها). يمكن أن يكون إعادة تدوير المياه ناجحًا تمامًا إذا تم البدء فيه مبكرًا ؛ ومع ذلك ، لا يمكن أن تنجح ما لم يكن هناك تركيز على القضاء على التلوث الكيميائي أولاً.
يمكن لبرامج إعادة تدوير المياه المنفذة في سوريا أن توفر كميات هائلة من مياه الصرف الزراعي الملوثة يوميًا – بما يكفي لتلبية جميع الاحتياجات المنزلية دون أي ضخ إضافي من مصادر خارجية أو أنظمة تحلية المياه باستثناء خلال أشهر الصيف عندما يكون هناك ارتفاع في مستويات الطلب على المياه العذبة يرجع ذلك مرة أخرى إلى زيادة مستويات الاستخدام خلال أشهر الصيف مقارنة بأشهر الشتاء عندما يحدث انخفاض في الاستخدام (ويرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض متطلبات الري).
من خلال طرق مختلفة – بما في ذلك تثقيف المزارعين حول الممارسات غير الملوثة – يمكن أن يؤدي خفض التلوث الكيميائي بشكل كبير إلى تقليل عدد الليرات السورية اللازمة يوميًا لأغراض الري! على الرغم من أنه سيتطلب بالتأكيد العمل على جميع المستويات – فإن الجهود الشخصية للمزارعين تجاه ممارسات عدم التلوث ستقطع شوطًا طويلاً نحو جعل هذه الخطة حقيقة واقعة!
لكن الفلاح عبد المجيد البحوري (أبو أيمن، 59 عاماً) من قرية جنات السلامة جنوب شرقي منطقة منبج (ريف حلب الشرقي 50 كم شرق المحافظة)،
توجه بشكل مختلف لابتكار “ناعورة” محلية الصنع لضخ المياه من نهر قريب من أرضه لسقايتها والاستغناء الكامل عن كل موارد الطاقة التقـ.ـليدية وحتى الشمسية.
قال الفلاح أبو أيمن في حديث لـ “أثر”: “أنا كفلاح حاولت ابتكار وسيلة لتأمين مياه لسقاية الأرض كون تكاليف الري اليومية باتت مرهقة باستخدام المحروقات، اختراع الناعورة بشكلها الحالي من بناة أفكاري، ولكنها بالأساس هي فكرة مطورة ومستوحاة من نواعير حماة”.
وأردف أبو أيمن: “ذهبت إلى حماة أكثر من مرة، ورأيت الطريقة التقـ.ـليدية التي تعمل بها النواعير، وتبادر في ذهني فكرة تطويرها والاعتماد على الدورات بدلاً من النشل، تم رسمها بداية على (كرتونة)، وبعدها تم وبمساعدة عدد من العمال تنفيذها على أرض الواقع”.
وأضاف أبو أيمن: “قمنا ببناء صبّة أسمنتية بقلب مجرى النهر لرفع منسوب المياه 1 متر للحصول على قوة ضغط لتحريك أقراص الحركة الخاصة بالناعورة، وتم ربط هذه الأقراص بمضخة مياه (طرمبة)،
وتم تشغيلها بعد تحصيل السرعة اللازمة للناعورة من خلال حركتين دوران تم تنفيذهما بعد تجـ.ـارب عدّة استمرت لفترة زمنية جيدة، رغم أنّ فترت التركيب لم تستغرق نحو 20 يوماً”.
وبيّن أبو أيمن: “كميات المياه التي تم سحبها من خلال الناعورة تقدر بـ(5 إنش)، ويتم ضغطها على مسافة تصل إلى 800 متر وهي كافية لسقاية 15 دونماً يومياً أي (هكتار ونصف) والتي تحتاج بالحالة العادية إلى 150 ليتر مازوت لريها تقريباً”.
وحول الدوافع وراء الفكرة، أجاب الفلاح أبو أيمن: “ارتفاع أسعار المحـ.ـروقات، وإصرار الفلاح على زراعة الأرض مهما كان الثمن، هو الدافـ.ـع الأساسي وراء هذا الاختراع”.
قال أبو أيمن: “هناك فكرة لتطويرها وهذا ممكن حيث سيتم استبدال المضخة العادية بمولدة كهرباء ليصار من خلالها إنتاج الطاقة الكهربائية والتي ستتم الاستفادة منها في تشـ.ـغيل مضخات كهرباء ثانوية يتم عبرها سحب المياه من النهر بكـ.ـميات أكبر”.
وحول التكلفة والوفورات المحققة، بيّن أبو أيمن، أن تكلفة الإنشاء والتركيب بلغت قرابة 40 مليون ليرة سورية، وأضاف، “أنا يومياً أقوم بحساب الوفر المحـ.ـقق وهي توفر لي نصف مليون ليرة سورية كنت أصرفها مقابل تأمين مازوت للسقاية، وهذا الوفر مجدٍ اقتصادياً بشكل كبير مع الأيام رغم أنّ التكلفة المباشرة كانت مرتفعة”.
من جهته، بيّن رئيس اتحاد فلاحي محافظة حلب إبراهيم النايف بتصريح لـ”أثر” أنّ المشروع يوفّر مياه الري لقرابة 150 دونم (15 هكتاراً) حالياً،
دون الرجوع إلى أي مصدر من مصادر الطاقة الأخرى البديلة أو التـ.ـقليدية، مشيراً إلى أنّ عمـ.ـلية نقل المياه تتم من خلال ناعورة تمت صناعتها محلياً من قبل أحد الفلاحين عبر مواد أولية بسيطة وتم تركيبها على مجرى مياه (مصرف) في قرية جنات السلامة”.
وأفاد رئيس الاتحاد بأنّ الاتحاد سيعمل على توسيع انتشـ.ـار هذه الفكرة على أطراف نهر (قويق) الذي يمتد على طول 75 كم وعلى المصارف الشعبية لري المساحات المزروعة.
مؤكداً أنّ “تكلفة صناعة الناعورة تمت على نفقة الفلاح الشخصية، ولم يستعن بأي مهندس وكان دور الاتحاد متابعاً له منذ طـ.ـرح الفكرة أي منذ قرابة 6 أشهر،
وتم تقديم الدعم اللوجـ.ـستي اللازم كتأمين جرافات أثناء عملية التركيب عندما تم تغيير مجرى النهر لصب الكتل الأسمنتية اللازمة.